"للوهلة الأولى يبدو التنافس التجاري في سوق الخلوي على أشدّه. إلا أن العروضات التي يكشف عنها مشغلا الخلوي في لبنان، "ألفا" و"تاتش"، عن الباقات المخصصة لأصحاب الخطوط الثابتة ليست سوى انعكاس لما تقرّره وزارة الاتصالات
قبل أيام، عقد رئيس مجلس إدارة شركة "ألفا"، مروان الحايك، مؤتمراً صحافياً خصص لإطلاق باقتين جديدتين للخطوط الثابتة تتضمنان خفوضات بنسبة تتجاوز 47%. "تاتش" كانت قد اطلقت في آب الماضي باقات مخصصة للفئة نفسها، أي لأصحاب الخطوط الثابتة، وتتضمن خفوضات على الأسعار أيضاً تتجاوز 47% أيضاً.
الفارق الزمني بين خطوتي الشركتين للكشف عن عروضاتهما يجعل هذه الخطوات تبدو كمنافسة محمومة، إلا أن التشابه إلى حدّ التطابق بين العروضات يشي بأن المنافسة شكليّة. ولا سيما أن شبكتي الخلوي مملوكتان من الدولة ولا يمكن أي منهما تقديم أي عرض قبل موافقة وزارة الاتصالات.
بلغ عدد مشتركي الهاتف الخلوي في لبنان 4.3 مليون مشترك. وتستحوذ "تاتش" على 54% من المشتركين، أي ما يوازي 2.3 مليون مشترك، فيما تستحوذ "ألفا" على 46%، أي ما يوازي مليوني مشترك. رغم هذا التفاوت في الحصّة السوقية، إلا أن لدى الشركتين الكثير من الأمور المشتركة، أبرزها علاقتهما مع الدولة اللبنانية. فالشركتان تشغّلان شبكتي هاتف خلوي في لبنان وليس لديهما أي رخصة لإنشاء شبكة. والشبكتان القائمتان حالياً مملوكتان من الدولة التي تلزّم تشغيلهما بمناقصات. منذ أشهر انتهت عقود التشغيل لكن بسبب الخلافات السياسية على آليات التلزيم ودفاتر الشروط، لم تجرَ المناقصات الجديدة، ما أدّى حكماً إلى التجديد للشركتين.
ومن اللافت أن تكون الأسعار والعروض من بين الأمور المشتركة بين الشركتين، وإن كان إطلاق هذه العروض للعلن يأتي بفارق زمني بعيد نسبياً بينهما، للحفاظ على منافسة شكليّة أمام المستهلكين. والمعروف أن قرارات خفض الأسعار أو تقديم باقات تتنافس شكلياً في وجه بعضها البعض يأخذها وزير الاتصالات بعد درسها ضمن هيئة مالكي الخلوي التي تعيّن سياسياً أيضاً، أي أن القرار النهائي بخفض كلفة الاتصالات بيد الوزير وليس بيد أي من الشركتين.
هكذا جاءت العروض الموجّهة لمشتركي الخطوط الثابتة. في آب الماضي، أطلقت شركة "تاتش" عرضين، الأول بعنوان Web & Talk Light ويشمل إفادة المستهلكين من 10 ساعات تخابر على الإتصالات المحلية و1.5 جيغابايت من الانترنت، و100 رسالة نصية قصيرة محلية، مقابل 49 دولاراً شهرياً. أما العرض الثاني فهو بعنوان Web & Talk Elite الذين يمكن مشتركي الخطوط الثابتة من الإستفادة من 40 ساعة تخابر على الاتصالات المحليّة وساعتَي تخابر على الاتصالات الدولية، و15 جيغابايت من الانترنت، و1000 رسالة نصية قصيرة محلية، مقابل خصم بنسبة 47%.
لم يطل الأمر كثيراً حتى تطلق "ألفا" عروضاتها أيضاً الموجهة للفئة نفسها، أي مشتركي الخطوط الثابتة. العرض الأول جاء تحت اسم "باقة الــ Start-Up" التي تبلغ كلفتها 45 دولارا (تطرح خفوضات بنسبة 47% مقارنة مع الأسعار الحالية للخطوط الثابتة). تتضمن هذه الباقة 550 دقيقة تخابر محلي، 100 رسالة قصيرة، 1.5GB من البيانات، وتطبق التعرفة العادية على أي استهلاك خارج الباقة.
أما العرض الثاني فقد كان اسمه "باقة الــVIP". كلفة هذه الباقة 185 دولارا شهرياً (تطرح خفوضات بنسبة 53% مقارنة مع الأسعار العادية للخطوط الثابتة)، وهي موجهة للمشتركين ذوي الإستهلاك الكبير الذن يزيد على الــ1000 دقيقة في الشهر. يتضمن العرض 2200 دقيقة تخابر محلي، و120 دقيقة تخابر دولية، ورسائل قصيرة غير محدودة العدد، و15GB من الإنترنت.
تشابه إلى حدّ التطابق بين العرضين، حتى أنهما جاءا متناغمين شكلاً واستثنيا احتساب الإشتراك الشهري والضريبة على القيمة المضافة اللتين تعدّان من الكلفة الثابتة التي تضاف إلى كلفة الباقات.
هكذا يصبح التنافس محكوماً بالقواعد التي تضعها الوزارة التي ترفض اعتبار السوق مملوكة ومدارة منها فتترك خصخصة تشغيل الشبكتين مفتوحة على مصراعيها، وترفض أيضاً أي تنافس خارج إدارتها فتضع ضوابط للاسعار. الأمران فيهما الكثير من التناقض، لكن تفسيرهما الوحيد أن هذا العقل السياسي يرفض التخلّي عن الخصخصة بل يعتبرها أمراً ضرورياً حتى في حالة التشغيل فقط، ويرفض التخلّي عن مكاسب ومنافع هذا القطاع سواء في تعيينات وتوظيفات في هيئة المالكين أو لدى الشركات مباشرة، أو صفقات تطوير التقنيات والأجهزة والمعدات، أو حتى في مسائل أمنية.
( الأخبار)