"في غمرة البحث عن حلول مؤقتة أو دائمة لأزمة النفايات العامة، لا يبدو أن النفايات الطبية موضع إهتمام إستثنائي، علماً أن خطورتها مضاعفة على البيئة العامة وعلى الصحة بشكل خاص لتسببها بأمراض عدة على ما أكدت معظم الأبحاث العلمية
النفايات الطبية، كما تعرّفها الأنظمة المعنية، هي كل الأدوات التي تلامس جسم المريض من أدوية وأدوات وأمصال وغيرها. وتقسم الى فئتين رئيستين هما: Medical Waste and Cytotoxic.
بحسب رئيسة دائرة السلامة الكيميائية في وزارة البيئة الدكتورة فيفيان ساسين، فإن هذه النفايات تقسم الى "غير خطرة بنسبة 65 في المئة، وخطرة غير معدية تحتاج الى إدارة خاصة بنسبة 5 في المئة. أما النفايات المعدية فنسبتها 20 في المئة، فيما نسبة غير الخطرة والقابلة لإعادة التدوير تبلغ 10 في المئة".
ومعروف أن المخاطر البيئية لسوء إدارة نفايات المؤسسات الصحية كبيرة جداً، وتتمثل في: تلوث المياه السطحية والجوفية بسبب تسرّب الملوثات الناجمة عن الرمي العشوائي للنفايات الطبية، تلوّث الهواء بسبب الحرق العشوائي للنفايات التي تحتوي على البلاستيك المصنوع من مادة "بولي فينيل كلورايد – PVC" وانبعاث مواد مسرطنة مثل "الديوكسين"، وتسرّب الملوثات الى التربة كالرماد الذي يحتوي على المعادن الثقيلة كالزئبق نتيجة حرق النفايات الطبية.
وتؤكد الأبحاث العلمية أن النفايات المعدية تنقل بعض الجراثيم والأمراض، وقد تتسبب النفايات التي تحتوي على أدوية منتهية الصلاحية، وأدوية السرطان، ومواد مشعة وغيرها بالتهابات رئوية وبسرطان على المدى البعيد.
الكميات المقدرة في لبنان
اذا كانت المستشفيات هي المنتج الأول والأوضح للنفايات الطبية، فان المراكز الطبية والمستوصفات وشركات إنتاج الادوية والصيدليات والمختبرات والعيادات الفردية وعيادات أطباء الأسنان، تضاف اليها الأدوية المستخدمة منزلياً التي لا تقل خطورة عن نفايات المستشفيات، ويتم التخلص منها بطريقة عشوائية.
ووفق تقدير نقيب المستشفيات سليمان هارون، تنتج مستشفيات لبنان نحو عشرة أطنان من النفايات تضاف اليها بين 3 و4 أطنان من المراكز المختلفة. لكن هذا التقدير لا يمت الى الواقع. إذ تؤكّد مصادر معنية لـ "الأخبار" أن معدل إنتاج مستشفى يزيد عن 200 سرير يبلغ نحو 400 كيلو من النفايات يومياً، وهذا يعني أن نحو 84 مستشفى عاما وخاصاً، تنتج يوميا نحو 34 طنا من النفايات، تصل الى حدود أربعين طنا مع النفايات الصادرة عن المؤسسات الأخرى.
القوانين بين النص والتطبيق
من الناحية القانونية، ثمة قوانين صادرة في أعوام 1988 و1994 و2002 لحماية البيئة. ويحدد المرسوم 13389 الصادر عام 2004 أنواع نفايات المؤسسات الصحية والفرز السليم لها والتخفيف من إنتاجها، ويضع الإرشادات التوجيهية لجمع نفايات المؤسسات الصحية وتخزينها ومعالجتها والتخلص منها. وترتكز آلية إدارة النفايات الصحية على التخفيف من إنتاج النفايات، الجمع، النقل، التخزين والمعالجة. غير أن عمليات الإشراف والمراقبة من قبل وزارة الصحة داخل المستشفيات، وخارجها من قبل وزارة البيئة، يبدو أنها لزّمت الى مؤسسة خاصة تعنى بجمع النفايات ومعالجتها مقابل بدلات مالية من دون أن يكون لكلا الوزارتين آلية دائمة للتحقق من النتائج المرجوة.
فجمعية "Arc en Ciel" الخيرية تفيد من خلال منشوراتها الإعلامية أنها تعالج نحو 80 في المئة من النفايات المعدية من خلال تعقيمها على درجة حرارة مرتفعة (138 درجة مئوية) لتصبح شبيهة بالنفايات المنزلية. ويتم إرجاع بعض الأدوية المنتهية الصلاحية إلى المستورد وشركات الأدوية لتخزينها حتى ايجاد حل وطني. وتبقى المشكلة في النفايات المسرطنة السامة التي لا حلّ لها حتى الآن غير تصديرها الى الخارج. وهذا ما يزيد المسؤولية الوطنية لدى الوزارات المعنية سيما أن معظم الفحوصات التي تجريها وزارة الصحة للخضر والمنتجات الزراعية تشي بمؤشرات على قدر من الخطورة، كما هي الحال مع نتائج فحوصات أجرتها مؤخرا الوزارة على "البطاطا والبقدونس والخس".
لا يكفي أن تجري وزارة الصحة الفحوصات والقيام بحملات لتحذير المواطنين، "وكتم النتائج أحياناً كثيرة منعاً لإحداث بلبلة إضافية"، كما يقول بعض المعنيين، بل من واجب الوزارات المعنية إيجاد الحلول المستدامة وإلزام المستشفيات العمل بشكل علمي حسب القوانين ونظام الاعتماد المطبق عليها في لبنان والمعمول به منذ عام 2002 بتأكيد من الدكتور حسن وزني رئيس مجلس ادارة مستشفى النبطية الجامعي. وقد بلغت الدعاوى القضائية، منذ العام 2011، نحو 88 دعوى بحق مؤسسة معنية بين مستشفى ومنشأة طبية بسبب عدم الالتزام بأسس تعقيم النفايات الطبية. ولم يصدر منذ ذلك التاريخ أي حكم يلزم المستشفيات تطبيق القوانين المرعية.
يقول الخبراء إن أحد أوجه المخاطر تكمن في رمي النفايات الطبية العيادية والمنزلية وبعض النفايات الصادرة عن عدد من المستشفيات الصغيرة يرمى في النفايات العادية وتتم معالجته بطرق غير علمية. وهذا الأمر ربما كان المصدر الأخطر لتلوث المياه والتربة، والسبب الاول لإزدياد نسب مرضى السرطان في لبنان. ويشكل هذا الموضوع هاجساً لدى اصحاب المستشفيات المعنيين، وهو عبر عنه المدير العام لمستشفى جبل لبنان الدكتور نزيه غاريوس، داعياً الى ايجاد حل سريع من خلال مؤسسات دولية وشركات عالمية متخصصة في هذا المجال لأن المشكلة كبيرة وتمس الجميع.
وعلى صغر حجمه، من حيث الشكل، الا ان هذا الملف ينطوي على مخاطر نوعية ويستحق اهتماما استثنائيا من بغية وضع استراتيجية للتعامل مع هذا الملف، والبحث عن حلول سريعة وعاجلة نموذجية لا تساوم على القواعد العلمية بداعي "ما بدنا شوشرة"... فلا يجوز الاستهانة بخطر وقوع الكارثة لانها لم تقع، ولا الاطمئنان الى انها سائرة والرب راعيها".
( الأخبار)