أعرب رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع عن أسفه لعدم إحراز أي تقدم فيما يتعلق بقضية الشغور الرئاسي المستمرة منذ أكثر من عامين، متهما النخب السياسية بعدم الجدية في مساعيها لحل الأزمة.

وقال جعجع في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) :”طرحنا منذ فترة مبادرة أن يكون رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون رئيسا وأن يعود رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مجدداً لمنصب رئيس الوزراء … وللأسف لم نتلق ردا إيجابيا حولها”.

وأضاف رئيس حزب “القوات”: “المشكلة الأكبر هي أن بعض الفرقاء يرفضون ما نطرح ولا يسعون لتقديم مبادرات للتشاور حولها، في حين يصر البعض الآخر، وفي مقدمتهم حزب الله على اتهام كتلة المستقبل والمملكة العربية السعودية بعرقلة عملية انتخاب الرئيس … والمتابع يعرف أن كتلة المستقبل ملتزمة بحضور كل جلسات انتخاب الرئيس، في مقابل مقاطعة حزب الله وقوى أخرى محسوبة على إيران لتلك الجلسات، وهو ما يوضح من هو الطرف المعرقل”.

ووصف جعجع الأحاديث التي تتردد حول فرض السعودية رؤيتها على كتلة المستقبل ودفعها لاختيار مرشح بعينه بأنها “لا تُعقل ولا تَستند لأي دليل واقعي”.

وأضاف ساخراً: “حزب الله بحاجة لمن يذكره بأن من يكون بيته من زجاج عليه ألا يرشق الناس بالحجارة … كيف لحزب الله الذي لا يتحرك إلا بإذن من إيران أن يتكلم عن أن السعودية تملي على تيار المستقبل خياراته؟”

ومضى يقول: “كيف يُعقل أن تُتهم السعودية بعرقلة لبنان وهي التي قدمت مليار دولار للمصرف المركزي اللبناني لدعم العملة الوطنية …ومن بعد حرب تموز قدمت مساعدات بمئات ملايين الدولارات لإعادة إعمار ما هدمه الهجوم الإسرائيلي في جنوب البلاد ي بمناطق “حزب الله”!…الحزب الذي تحول بفضل الدعم الإيراني من مجرد فصيل إلى دولة داخل الدولة، بل ومعرقلا لعملها ومصادرا لقرارها الأمني والاستراتيجي والعسكري”.

وأبدى تفهما كبيرا لحيرة البعض لما يرونه تناقضا صارخا في مواقفه بين مهاجمة حزب الله وتحميله مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي وبين دعمه لترشح عون للرئاسة وهو حليف لحزب الله. وقال :”أعتقد أن حزب الله ليس جادا في تأييد عون … فالحزب يؤيد عون كلاميا فقط، وأكبر دليل على ذلك أنه بعد تأييدنا كحزب القوات لعون أصبحت هناك إمكانية كبيرة لدعم ترشيحه لكن حزب الله لم يتخذ أي خطوة جادة في هذا الاتجاه حتى الآن”.

ويرى جعجع أن حزب الله لا يرغب بالأساس في الوقت الحاضر في إجراء الانتخابات الرئاسية وأنه ربما يتنظر نتيجة تطورات الصراع بسورية، وقال :”إنهم يربطون ملف الرئاسيات بملفات أخرى بالمنطقة أملا في حصد المزيد من المكاسب”.

وأضاف :”لا أعرف من سيدعمون في نهاية الأمر … ولكنهم لا يريدون جمهورية حقيقة ولا رئيسا قويا لأن ذلك يعني ببساطة إضعاف دور الحزب، والعكس صحيح … أرى أنهم سيدعمون رئيسا بقياسات أبعد بكثير عن قياسات عون … سيدعمون رئيسا يكون ضعيف الشخصية ليرتهن لقرارهم … وهذه أمور لا تتوفر في عون”.

وأقر جعجع بأن حلم الترشح لمنصب الرئيس لا يزال يراوده، ليس من باب الوجاهة وتحقيق الذات بقدر الرغبة في تحقيق الكثير من الأفكار التي من شأنها النهوض بمستقبل لبنان. ولكنه اعتبر أن “الظرف الراهن غير ملائم لذلك”. وأضاف أن حزب القوات مستمر في ترشيح عون.

وجدد رفضه للاعتماد على الشكل والصيغة الراهنة للحوار الوطني الذي يرعاه رئيس مجلس النواب نبيه بري. وشدد :”نحن مع أي حوار … ولكن الحوار بتركيبته ووضعه لم يتغير منذ عشر سنوات، لم يستطع خلالها تحقيق أي إنجاز”.

وأضاف :”الحوار عُلق الآن لأجل غير مسمى لاختلاف وجهات نظر المشاركين … وهذا أمر طبيعي، فكلما كثُر العدد كلما تحول الأمر لبرج بابل جديد، الكل يتحدث بلغة مختلفة عن الآخر … وهذه النتيجة لم تفاجئني بل كنت أتوقعها”.

ورفض جعجع اتهام بعض القوى له بمحاولة احتكار التمثيل المسيحي بالحوار من خلال مطالبته بتقليص عدد المشاركين فيه، وقال :”لا أريد احتكار شيء، فلا يصلح أحد أن يكون مكان أحد … وهناك مثل لبناني يقول كثرة الطباخين تحرق الطبخة … ونحن نقول الأمر ذاته على الحوار، فإذا قلصنا العدد قد يكون هناك إمكانية للتوصل لنتائج أفضل مما هو موجود الآن”.

ورفض بشدة بعض آراء المحللين التي ربطت بين تقدم قوات الرئيس السوري بشار الأسد على جبهات القتال بسورية وتراجع وتيرة العمليات الإرهابية في لبنان واعتبرته يثبت صحة ما يقوله حزب الله حول أن تدخله بالصراع السوري هو محاولة لمنع وصول الإرهاب للبنان، وقال :”حزب الله لم يمنع أي إرهاب ولا بدرجة واحدة … الذي ساهم في السيطرة على الإرهاب هو نشاط الأجهزة الأمنية التي تتابع بشكل مستمر وحثيث نشاط المجموعات الإرهابية وتنجح في الإمساك بهم أو تمنعهم من تنفيذ مخططاتهم”.

واستنكر جعجع ما يردده حزب الله وإيران وبعض القوى الموالية لهم بالمنطقة من اتهامات للسعودية بالمسؤولية عن تنامي التطرف واتساع رقعة الأزمات بالمنطقة، وأكد أن “إيران وحلفاءها بالمنطقة هم سبب أغلب الأزمات لا السعودية”.

وتساءل :”من الذي يتحكم بالقرار في العراق لدرجة كبيرة، أليس إيران؟ … ومن كان وراء الانقلاب على رئيس شرعي باليمن منتخب من أغلبية اليمنيين، هل كانت السعودية أم الحوثيون حلفاء إيران؟” وقال :”كل ما قامت به السعودية كان رد فعل … هل كان عليها أن تترك اليمن تسقط أمامها بيد إيران لتهدد الأخيرة أمنها القومي دون أن تحرك ساكنا؟”.

وأضاف :”وفي سورية تدخلت إيران وحزب الله لمساندة نظام فرض نفسه لمدة أربعين عاما ورد على المدنيين الذين ثاروا ضده بالرصاص رغم سلمية الأحداث خلال أشهرها الأولى، فهل تدخل السعودية لمساندة الثوار المدنيين هو ما فاقم الأزمة وأدى إلى التطرف الذي نشهده الآن؟ بالطبع لا، بطش النظام بالمدنيين هو ما أدى لعسكرة الثورة وتغير أيدولوجيتها بصورة جذرية”.

ولم ينكر جعجع وقوع أخطاء خلال المواجهات التي اضطرت السعودية لخوضها، وقال :”بالطبع في سياق المواجهات قد تحدث أخطاء هنا وثغرات هناك … وهذا بالتأكيد أمر مؤسف … ولكن بالنهاية هذه المواجهات حدثت ليس لأن السعودية ذهبت لتقاتل داخل إيران … ولكن لأن إيران جاءت تقاتل على حدود السعودية باليمن، أو في بلد عربي كلية كسورية”.

ودعا إلى عدم تفسير التصريحات التي قد توحي بتفاهمات ضمنية بين روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري بأنها “تهميش لبعض الدول”، وأكد أن “مثل هذه التفاهمات هي تحالفات جزئية مؤقتة ومحددة مكانيا وزمانيا لخدمة هدف واحد بين أطرافها وهو التوافق حول الموقف من القضية الكردية … ولا أمل لها في الذهاب أبعد من ذلك”.

ونفى أن تكون تركيا قد غيرت موقفها من مسألة بقاء الأسد في الحكم.

ودعا إلى ضرورة إدراك الخطر الأكبر وهو قيام الدول الغربية بتقسيم سورية إلى مناطق نفوذ فيما بينها.

وعبر عن أسفه لأن إسرائيل قد تكون هي الطرف الوحيد المستفيد من الصراعات العربية والإقليمية، وقال :”إسرائيل الآن تجلس سعيدة وتراقب المشهد وتضع الخطط لخدمة مصالحها”. ودعا جعجع إلى العمل الجاد من أجل خلق واقع عربي مختلف قادر على تغيير الموازين بالمستقبل.