اهتزت أمس الهدنة السارية في سوريا بفعل الغارات الجوية الدامية للائتلاف الدولي على الجيش السوري في دير الزور بشرق البلاد السبت، وغارات أخرى هي الاولى منذ اسبوع على حلب، الأمر الذي يثير مخاوف من اشتعال هذه الجبهة الرئيسية في النزاع مجدداً. وسجل هذا التصعيد مع تصاعدت حدة اللهجة بين راعيتي الهدنة الولايات المتحدة وروسيا اللتين تتبادلان الاتهامات بعرقلة وقف النار.
ومعلوم ان واشنطن وموسكو توصلتا مطلع أيلول الجاري الى اتفاق ينص على وقف للنار بدأ سريانه مساء الاثنين الماضي ثم مدّد مرتين حتى مساء الجمعة الماضي، في ظل معارك محدودة على جبهات سورية عدة. كما ينص على ايصال مساعدات الى المناطق المحاصرة، الا ان القوافل المحملة بمواد الاغاثة لا تزال تنتظر الضوء الاخضر.
ولم يعلن راعيا الاتفاق تمديده فترة اضافية. وكان الجيش السوري أعرب عن التزامه الهدنة سبعة أيام.
وزاد التوتر السبت بعدما أعلنت موسكو ان طائرات للائتلاف الدولي شنت أربع غارات جوية على مواقع للجيش السوري قرب مطار دير الزور، مما اسفر عن "مقتل 62 جندياً سورياً واصابة مئة". أما "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له، تحدث عن مقتل "أكثر من 90 عنصراً من قوات النظام".
وأوضح الائتلاف الدولي ان قواته "اعتقدت أنها ضربت موقعاً قتالياً لتنظيم الدولة الإسلامية كانت تراقبه لبعض الوقت قبل القصف". وأكد انه "ما كان ليستهدف عمداً وحدة عسكرية سورية" وانه سيبحث في ملابسات الغارة.
دمشق
وصرحت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بشار الاسد لـوكالة الصحافة الفرنسية" بان الغارات الاميركية كانت "مقصودة"، مشددة في الوقت عينه على التزام بلادها الهدنة السارية في البلاد. وقالت: "نعتقد ان الضربة مقصودة... كل المشاهد العينية والوقائع على الارض لا تظهر انه كان هناك خطأ أو مصادفة، انما كل شيء كان محسوباً وداعش كان على علم به، وحين دخل داعش، توقفت الغارات".
وأضافت: "نحن ملتزمون الهدنة، والهدنة سارية حتى انتهاء مدتها، ربما مددت ومن الممكن ان يجري التوافق على شيء ما، فالمشهد السياسي متحرك جداً... أعتقد ان بعض الجهات في الولايات المتحدة لا تريد الاتفاق، جهة تتفق مع الروس، وجهة أخرى ترفض الاتفاق... ما يبدو لنا، وهي ليست معلومات، ان البيت الابيض يريد الاتفاق في حين يرفضه البنتاغون".
وتلت الغارات الاميركية معارك عنيفة قرب مطار دير الزور حيث شن الجيش السوري هجوماً مكنه من استعادة مواقع خسرها أمام الجهاديين اثر غارات الائتلاف الدولي. وقال مصدر عسكري: "تحول الجيش السوري من الدفاع الى الهجوم" في منطقة جبل ثردة المطل على مطار دير الزور العسكري بعدما كان "تراجع نتيجة القصف الاميركي".
ويذكر ان التنظيم الجهادي يسيطر على كامل محافظة دير الزور باستثناء مطار دير الزور العسكري واجزاء من مدينة دير الزور، مركز المحافظة.
وخلال المعارك صباح الاحد، أسقط الجهاديون طائرة حربية للجيش السوري، كما أعلن "داعش" في بيان.
وأكد الاعلام السوري اسقاط طائرة حربية في دير الزور ومقتل قائدها.
تصعيد أميركي - روسي
ودعت موسكو الولايات المتحدة الى "اجراء تحقيق شامل واتخاذ اجراءات لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل". واعتبرت ان "ما قام به الطيارون، اذا لم يكونوا كما نأمل ينفذون أوامر واشنطن، يراوح بين الاهمال الاجرامي والدعم المباشر لارهابيي تنظيم الدولة الاسلامية".
وصرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: "البيت الأبيض يدافع عن الدولة الإسلامية... الآن لا يمكن أن يكون ذلك محل شك".
بيد ان المندوبة الاميركية الدائمة لدى الامم المتحدة السفيرة سامنتا باور قالت في الأمم المتحدة إن زخاروفا ينبغي أن تخجل من ذلك الزعم. وقال المندوب الروسي الدائم السفير فيتالي تشوركين إن روسيا لا تملك "دليلاً محدداً" على تواطؤ الولايات المتحدة مع متشددي "داعش".
وتتراشق الولايات المتحدة وروسيا منذ أيام الاتهامات باعاقة تطبيق الاتفاق حول سوريا الذي يستثني "داعش" و"جبهة فتح الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً قبل اعلان فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة").
وترى روسيا ان الولايات المتحدة لم تف بالتزاماتها، وخصوصاً في ما يتعلق بالتمييز بين الفصائل المعارضة وعناصر "جبهة فتح الشام"، في حين هددت واشنطن بعدم التنسيق عسكرياً مع روسيا في حال عدم ادخال المساعدات الى المناطق المحاصرة.
وابدت روسيا استعدادها الجمعة لتمديد الهدنة 72 ساعة لكن الولايات المتحدة لم تتخذ موقفاً رسمياً من ذلك.
وفي نيويورك، اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت النظام السوري بانه المسؤول الرئيسي عن انتهاك الهدنة.
توتّر في حلب
وتضاف الى هذا التوتر، غارات جوية استهدفت الاحياء الشرقية في مدينة حلب السورية للمرة الاولى منذ بدء الهدنة في سوريا قبل نحو اسبوع.
وقال "المرصد السوري: "استهدفت طائرات حربية أحياء كرم الجبل وكرم البيك والصاخور وحي الشيخ خضر في مدينة حلب بأربعة صواريخ، مما أسفر عن سقوط جرحى". ولم يتمكن من تحديد ما اذا كانت الطائرات روسية او سورية.
وصرح الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال ايغور كوناشنيكوف بان "الوضع متوتر اليوم في حلب، وعدد عمليات القصف التي قامت بها مجموعات المعارضة للمواقع العسكرية الحكومية والاحياء السكنية يزداد". واشار الى أن المتشددين هناك يستعدون لعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد الجيش السوري.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع أن روسيا سجلت 50 انتهاكاً لاتفاق الهدنة في سوريا خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة.
جبهات أخرى
وعلى جبهات اخرى، وخصوصاً في الغوطة الشرقية لدمشق وريف حمص الشمالي وريف اللاذقية الشمالي، تجدّدت الغارات الجوية والاشتباكات بين قوات النظام والفصائل المقاتلة والاسلامية.
وأعلن فصيل "فيلق الرحمن" التابع لـ"الجيش السوري الحر" في ضواحي دمشق في بيان على الانترنت أن مقاتليه دمروا دبابة تابعة للحكومة السورية وقتلوا جنوداً بعدما حاولت القوات الحكومية اقتحام جوبر للمرة الثانية هذا الأسبوع.
وقال المرصد السوري إن ثمانية أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب كثيرون بجروح بالغة عندما ألقت طائرات هليكوبتر براميل متفجرة على بلدة في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة من محافظة درعا الجنوبية.
حي الوعر
في غضون ذلك، حذر مقاتلون في المعارضة السورية من أن أي إجلاء لأشخاص من الضاحية الأخيرة التي تسيطر عليها المعارضة في مدينة حمص سيصل إلى حد إنهاء التزام الحكومة الهدنة بعدما أعلنت الدولة أن هذا الإجلاء سيبدأ اليوم.
وجاء في بيان مشترك للفصائل الثورية المسلحة و"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية": "في حال تم إخراج أي شخص من (حي) الوعر أو من أي منطقة محاصرة في سوريا أو إذا استمرت عمليات الضغط والإرهاب العسكري والنفسي لإخراج أهالي هذه المناطق يكون النظام قد أنهى بشكل صارخ التزامه أي هدنة مطروحة وستستمر جميع الفصائل الثورية في ممارسة حقها المشروع في قتالها له".