تعرضت مواقع عسكرية سورية ليل السبت - الأحد الماضي في دير الزور  لغارات عسكرية من طائرات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا لمحاربة داعش في المنطقة وأسفرت عن مقتل ما بين 60 إلى 100 جندي من قوات النظام السوري الموالين للرئيس بشار الأسد.

أثارت الضربات إستغراب العديدين من مقربين ومعادين لأميركا كونها المرة الأولى التي تضرب فيها طائرات أميركية بهذه الضخامة مراكز تابعة لقوات النظام.
عللت أميركا السبب بأنه خطأ في التقدير ومن دون سابق نية كذلك فعلت أستراليا التي شاركت في الضربات وعلقت على إثرها أميركا الطلعات الجوية في سماء منطقة دير الزور.
أما روسيا فأدانت العملية وطالبت مجلس الأمن الدولي بإتخاذ موقف منها وإتهمت أميركا بالتواطىء مع داعش كون الجنود السوريين كانوا محاصرين في جبل الثردة المطل على مطار دير الزور ما سمح لداعش من الإستفادة من هذه الضربات لتسجل تقدما في المنطقة قبل أن يستعيد الجيش السوري زمام المبادرة.

هل الضربة مقصودة؟

تمتلك أميركا أقوى أجهزة الرادارات والإستشعار في العالم وبحوزتها أقوى وأدق أسطول جوي من الطائرات المرتبطة بأجهزة G.P.S إضافة لشبكة من المخبرين والعملاء في المنطقة الذين يحددون الإحداثيات بدقة عالية.
ولكن مع هذا يبقى هناك دائما في العلوم العسكرية إحتمال الخطأ وهو وارد ويعد فرضية قوية ولهذه الفرضية عوامل وشروط يجب أن تتوفر للقطع يقينا بأن الضربة كانت غير متعمدة.
التقارير التي وصلت لوسائل الإعلام العالمية والإقليمية تحدثت عن غارات متواصلة ولمدة من الزمن قاربت الساعة الواحدة وهذان عاملان لوحدهما ينسفان فرضية الخطأ في الغارات ويؤكدان  وجود نية مسبقة لها.
والواضح أنها غارات كانت عن سابق تصور وتصميم وتتعمد إلحاق الأذى والوجع بقوات النظام وهذا ما ظهر من العدد الضخم لقتلاه في المنطقة.
لكن الأهم من كل هذا أن الغارات كانت تحمل رسالة قوية لذوي الشأن تحمل في طياتها إشارات عديدة عن موقف أميركي حاد مما يحصل في سوريا.

الرسالة الأمريكية:

قبل هذه الغارات توصلت أميركا وروسيا لإتفاق هدنة في سوريا تتضمن العديد من البنود.
في جولة سريعة على هذه البنود يتضح أن الهدنة عكست توازن قوى بين الطرفين المتنازعين في سوريا.
فمن ناحية النظام السوري وحلفائه كسب بند محاربة جبهة فتح الشام ( النصرة سابقا )  كون هذا الفصيل يعتبر أقوى الفصائل العسكرية تجهيزا وعقيدة وإصرارا موجود على ساحة المعارضة السورية.
وتحدثت مصادر عن توصل لإتفاق ثنائي بين الروس والأميركيين على توحيد لوائح لتصنيف المنظمات الإرهابية.
وبالمقابل كان الإتفاق مكسبا لقوى المعارضة الأخرى في بعض البنود وهذا ما أزعج النظام السوري.
فالإتفاق حدد مناطق حظر جوي فوق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة وبموجبها يمنع الطيران السوري من التحليق فوقها، أضف أن طريق الكاستيلو الذي تكبد النظام وحلفائه العديد من الخسائر لإسترجاعه تم التخلي عنه والإنسحاب منه لصالح قوات روسية وربما أميركية في المستقبل حسب ما قالت روسيا بالأمس وهذه الطريق ستشكل ممر إمداد لسكان حلب المحاصرين.
هذان البندان بالأخص أزعجا النظام السوري لعدة إعتبارات أبرزها أنها أظهرت كذب النظام السوري المستمر في الدفاع عن السيادة السورية وقبوله بشكل من الأشكال بصيغة تقسيم مناطقية بينه وبين المعارضة السورية المعتدلة على غرار ما حصل سابقا في الحرب الأهلية اللبنانية.
فوافق إعلاميا على الإتفاق وبدأ بوضع العراقيل على الأرض كذلك فعلت جبهة النصرة التي اعتبرت الإتفاق مقدمة لتصفيتها.
أولى هذه العراقيل إستمرار النظام وتأخره في الإنسحاب من الكاستيلو وإستمراره بخرق الهدنة من حين لآخر ما ذكر بمحاولاته السابقة التي كانت تعقد فيها الهدن سابقا.
هنا أميركا تدخلت أيضا لعدة إعتبارات وجاءت ضربتها كنوع من التأديب للنظام السوري بضرورة الإلتزام بالإتفاق موجهة رسالة قوية بأنها قادرة على ضربه بوجود الغطاء والحماية الجوية الروسية له والتي يطرح العديد من علامات الإستفهام عن سبب فشلها في رصد الطائرات الأميركية وتحذيرها للقوات السورية.
والرسالة موجهة للروس بأن يعوا أن لصبر واشنطن حدود في حال المماطلة بتطبيق الإتفاق.

إقرأ أيضا : لماذا إنسحبت روسيا من سوريا؟

إعتبارات إضافية لأميركا :

وقع إتفاق الهدنة بين الروس والأميركيين في فترة حساسة للبيت الأبيض إستطاع فيها الروس من كسب بعض التنازلات الأميركية كالتنسيق المشترك لضرب المنظمات الإرهابية. وهذه الفترة تشهد معركة إنتخابات رئاسية في واشنطن بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب وهي أيضا فترة تستريح فيه السياسة الخارجية الأميركية وتنشغل المؤسسة الأميركية بالأجندات الداخلية.
وأوباما يريد ترك الرئاسة بهدوء إستراتيجي حددته له جائزة نوبل للسلام الذي حاز عليها منذ توليه الرئاسة وإستمر في هذه السياسة.
فإتفاق الهدنة مع الروس في هذه المرحلة يعتبر مؤشرا إيجابيا لمعسكر الديمقراطيين ودافع إضافي لترجيح فوز كلينتون بالرئاسة على الرغم من معارضة وزير الدفاع الأميركي كارتر لهذا الإتفاق ورفضه أي آلية تنسيق مشترك مع الروس.
فإعتبارات الديمقراطيين من هذا الإتفاق هي إنتخابية بالدرجة الأولى للتمهيد لكلينتون في حال فازت لحسم الأزمة السورية نهائيا.
وكثر وقعوا بخطأ عندما ظنوا أن الإتفاق هو سلة حل للأزمة مع أنه بالحقيقة مقدمة لمفاوضات جنيف الرابعة وربما العاشرة للكلام أكثر بالموضوع السوري والتعامل مع هذه الأزمة.

إقرأ أيضا : عقيدة أوباما... تحول جذري في السياسة الأميركية.

الموقف الروسي:

لا شك أن تصريح وزارة الخارجية الروسية عقب الغارات كان جريئا بأن يتهم مباشرة أميركا بالتواطىء مع داعش.
لكنها تصريحات إعلامية تدخل في باب المزايدات لسبب أن سبق لروسيا أن وجهت نفس الإتهام لتركيا أردوغان بدعم داعش وعادت وتراجعت عن تصريحاتها وقالت أن تركيا شريكة لنا في محاربة الإرهاب.
ويبقى القول والتذكير أن أميركا عندما تخطأ فهي تتقصد أن تخطأ لتوجه رسالة قوية أن اللعب معها يجب أن يكون بشروطها ووفق قواعدها.