لا يتردد اللواء أشرف ريفي في كسر كل الخطوط الحمراء التي تتحكم بقواعد اللعبة السياسية في لبنان فهو من الأوائل القلة الذين عرفوا معنى التمرد وترجموها قيادة فاعلة أنتجت فوزا كاسحا على الساحة الطرابلسية.
حينها كانت الرسالة مدوية لجميع من في السلطة اللبنانية وموجعة لهم لأنها تشكل مصدر تهديد لماهية الحياة السياسية اللبنانية.
ريفي مستمر بالتحدي:
لم يتوقف حراك ريفي بعد فوزه بالإنتخابات البلدية في طرابلس بل إستمر في توجيه إنتقادات لاذعة للرئيس سعد الحريري الذي يشكل في وعي سنة لبنان ولي عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري وحامل أمانته.
وإن كان الرجل يستهدف هذه البيئة بالذات ويريد تمثيلها فهو لم يجد أي عائق في الوصول إلى عنفوانها وغضبها ضاربا بعرض الحائط محرمات وقدسيات كانت قد بدأت تترسخ في وعيها كزعامة الحريري الحصرية للسنة في لبنان.
فلو شوهد الأداء السياسي لسعد الحريري خصوصا بعد 7 أيار 2008 لن يجد أحد غرابة الآن في سهولة تربع ريفي على عرش الغضب السني في لبنان.
لذلك إنتخابات طرابلس كانت إنطلاقة وليست لحظة مؤقتة للتنفيس عن غضب متراكم لجمهور سعد الحريري بل إشارة لمشروع بدأت تظهر ملامحه وشكلت طرابلس بدايته فقط.
إقرأ أيضا : اللواء المتمرد...ريفي والأزمة.
هل أخطأ الحريري؟
من الظلم الحكم على أداء سعد الحريري السياسي من دون الأخذ بعين الإعتبار الظروف التي واكبته.
فالرجل وضع خطوط حمراء للإشتباك السياسي مع خصمه السياسي اللدود حزب الله ضمن أطر الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
ويحسب للرجل أنه ساهم بخطابه الإعتدالي في حفظ لبنان من مخاطر جمة كالإنزلاق إلى حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس وقبل أن يترفع عن الجراح في قضايا عديدة كزيارته لبشار الأسد وفصله بين القرار الظني للمحكمة الدولية وقرار المشاركة مع حزب الله في إدارة البلد وعبر عن هذا من أمام باب المحكمة الدولية في لاهاي.
لكن يؤخذ عليه أنه تهاون كثيرا في الأداء السياسي وغرق في مثالية مفرطة ولم يحاك كل محطة سياسية بأداء مناسب.
فالإعتدال أمر جميل ولكنه لا يناسب جميع اللحظات السياسية والمحطات المفصلية في العمل وبعض الفصول تريد نوع من الحدة لا العنف للتعامل مع الخصم وعدم تقديم تنازلات بالمجان من دون ضمانات بقبول أو رفض كخطوته في ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية.
فخطوة الترشيح لم تكن مقابل وجود ضمانة فعلية بقبول حزب الله بل راهن على الحلف القوي الذي يجمع فرنجية بالحزب ولم يصب.
هذه التراكمات في الأخطاء زادها سوءا غيابه عن البلد لفترة طويلة شعر فيها السنة بالمظلومية والإستضعاف فظهرت حالات متطرفة لتستغل هذه المظلومية كأحمد الأسير في صيدا ولكنها فشلت.
ولاحقا حصلت المواجهات الدامية بين جبل محسن والتبانة لتعبر هي الأخرى عن خيارات عنيفة بدأ يلجأ إليها بعض السنة بغياب حماية الدولة لهم الممثلة بسعد الحريري.
هنا أخطأ الشيخ سعد عندما لم يخض معركة سياسية متوازنة مع خصمه السياسي وإكتفى بالشعارات ومزيد من التنازلات.
وظرف آخر قاهر دخل على خط التراجع السياسي للحريري يتمثل بالأزمة المالية التي حلت بمؤسساته وتذمر موظفيه.
هذه العوامل والظروف أضعفت الحريري شعبيا وهذا ما أظهرته نتائج الإنتخابات البلدية والإختيارية الأخيرة ولكنها لم تقض على زعامته.
إقرأ أيضا : فعلها أشرف ريفي...
ريفي حاكى مظلومية السنة:
ما فعله الوزير أشرف ريفي أنه حاكى هذه المظلومية وتبنى أسلوب في التعاطي السياسي تصاعدي وقوي وشديد مع حزب الله.
أدرك أن السنة في لبنان والعالم العربي والإسلامي تغيرت نظرتهم إتجاه الحزب فعبر عن هذه النظرة وقدم نفسه على أنه قلب ولسان السنة.
إستفاد أيضا من الحالة الشعبية التي أنتجتها عاصفة الحزم السعودية في العالم العربي والاسلامي وحالة الإنزعاج السعودي من لبنان فخاطب حزب الله بلغة شديدة وقوية تناسب اللحظة.
وهنا نجح ريفي وهنا فشل الحريري.
فمعركة طرابلس الأخيرة لم تكن معركة إنماء وتنمية بل معركة سياسية بإمتياز صوت فيها الناس ضد نظام الأسد الذي إختزل في لائحة تحالف هجينة بين الحريري وحلفاء سوريا في المدينة.
أضف لقرب ريفي من الناس أنه يواجه حزب الله بالسلطة المعطاة له من القانون فهو وزير للعدل ولا يوفر أي مناسبة أو ظرف يستغله لإضعاف حلفاء الحزب وسوريا في لبنان كما جرى مع ميشال سماحة والمتهمين بتفجيرات مسجدي التقوى والسلام في طرابلس وما حصل مع الشيخ الطراس وتبنيه لقضيته ولغضب أهالي مجدل عنجر وكل هذا يأخذ من رصيد الحريري ويزيد الصراع بينهما توهجا وتأزما.
خلفية الصراع:
أداء سعد الحريري يثير الحيرة والإستغراب ففي لحظة غضب سني عارم من النظام السوري يأتي الحريري ليتحالف مع حلفاء هذا النظام في مدينة تعبر عن الوجع والغضب السني في لبنان من هذا النظام ماضيا وحاضرا.
خطيئة الحريري في طرابلس جعلت الناس تصوت لريفي الذي يمثل إمتدادا لها ويتبنى مشروع الحريرية السياسية التقليدية وهو من وسط الناس ومقرب لهم.
لكن ريفي لم يتوقف عند حدود المدينة فأعلن بعدها أنه سيرشح لوائح نيابية في كافة المناطق اللبنانية بإستثناء صيدا.
وبعدها أعلن أن الحريري إنتهى، وإعلانه هذا خلط أوراق كثيرة وفتح المشهد السياسي السني على إحتمالات عديدة.
فتصريح من هذا النوع خطير ونوعي وجديد ولم يجرأ أحد أن يصرح به ولكن ريفي قالها وأعلنها بالفم الملآن ما أثار حفيظة كثر من محبي الحريري فشهدت وسائل التواصل الإجتماعي حملات هجوم متبادلة بين أنصار الحريري واللواء.
الصراع المحتدم حاليا أبعد من إنتخابات أو تسجيل نقاط أو تصريح عابر يضاف لغيره من التصاريح.
بل ما يظهر من التصريح أن هناك أحد ما في المملكة العربية السعودية فقد الأمل بالحريري وأدائه اللين إتجاه حزب الله وإيران في لبنان في هذه اللحظة المتوترة ويريد الرهان وتبني ريفي كخيار بديل يعرف خيوط اللعبة وكيف يتعامل مع حلفاء إيران وسوريا في لبنان بأسلوب متشدد وقوي بعيدا عن التسوية والتنازلات والقبول المجان.
لذلك لا شك أن هناك ضوء أخضر لريفي لأن يصرح ويحرج الحريري ويضع ترتيب جديد تريد السعودية إدارته بما يواكب ويلائم حملتها التصعيدية إتجاه إيران في الشرق الأوسط.
موقف حزب الله:
لم يتوقع الحزب صعود حالة ريفي ووصولها إلى هذا الوضع الذي بات يهدد فيه زعامة الحريري.
مع هذا فالحزب ساهم على مر السنين في إضعاف الحريري وإظهاره أمام بيئته على أنه رجل عديم الخبرة ومتساهل ويتنازل بسرعة أضف أن الحزب تهكم من العناوين السياسية التي رفعها الحريري كالإعتدال ولم يستثمر مبادرات الحريري للصلح بل أسقط حكومته بطريقة محرجة ومهينة ومن حينها بدأ التشدد وحالات التطرف تظهر في أوساط بعض السنة بعدما فقدوا إيمانهم بقيادة كالحريري هو موضع تهكم من الخصم السياسي لهم.
وليس مستغربا أن يلجأ الحزب لتسهيل وصول الحريري للحكومة وقطع الطريق أمام طموحات ريفي فبالمحصلة الحريري ليس خطرا على الحزب بعكس ريفي الذي يمتلك عدة وخطاب سياسي يدرك من خلاله جيدا كيف يوجع الحزب.
الكرت الأحمر:
تصريح ريفي الأخير وما صرح به جنبلاط عن حزنه لضعف حليفه الحريري مؤشران على شيء يتبدل في السعودية إتجاه زعامة السنة في لبنان.
يمكن القول أن السعودية إلى الآن رفعت الكرت الأصفر فقط بوجه الحريري من خلال أشرف ريفي فهل ستفعلها وترفع الكرت الأحمر؟