شكل الإعلان عن اتفاق أميركي-روسي التطور الأبرز في سوريا خلال الأيام الاخيرة. ويشمل هذا الاتفاق وقفا لإطلاق النار بين النظام السوري وجماعات المعارضة المسلحة، فضلا عن حملة عسكرية مشتركة للولايات المتحدة وروسيا ضد تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة فتح الشام، التي كانت تعرف بجبهة النصرة سابقا.
لكن الاتفاق الأميركي- الروسي، مما ظهر منه حتى الآن، يبدو في جوهره اتفاقا لإدارة وتصعيد حرب واشنطن وموسكو على مجموعات "الجهاد" الدولي في سوريا.
ولا يشكل هذا الاتفاق تغييرا جذريا في سياسة واشنطن ولا في سياسة موسكو في المنطقة. فقد توصل الطرفان إلى اتفاق بداية هذا العام سرعان ما انهار لاحقا، وقد حمل الاتفاق الجديد معظم ملامح السابق مع بعض الاستثناءات، أبرزها طبعا العمل العسكري المشترك.
وتخوض الولايات المتحدة وروسيا منذ ما قبل الاتفاق حربا على تنظيم الدولة الإسلامية، ويقود كل منهما تحالفا دوليا ضد التنظيم. والآن، يبدو أن الطرفين توصلا إلى اتفاق يقضي بتوسيع الحرب رسميا لتشمل جبهة فتح الشام، والتنسيق المباشر ضد التنظيمين معا.
فكيف يؤثر كل هذا على النظام في سوريا ورئيسه؟
تعد جبهة فتح الشام من بين الجماعات الأكثر فاعلية التي تقاتل النظام السوري، وهي لا تعمل وحدها. فالعديد من الجماعات المعارضة يقاتل جنبا إلى جنب مع جبهة فتح الشام ضد هذا النظام.
وهنا بيت القصيد. وفقا لبنود الاتفاق الأميركي-الروسي، على هذه الجماعات أن تنفصل عن جبهة فتح الشام ليتمكن الأميركيون والروس من استهداف الجبهة دون الحاق الضرر بهم، خصوصا تلك الجماعات المرتبطة بواشنطن.
وقد غيرت جبهة فتح الشام، المعروفة سابقا بجبهة النصرة، اسمها وأعلنت عن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة قبل حوالي شهرين، وذلك لتسهيل أمر التنسيق بينها وبين جماعات أخرى لا ترتاح لهذه الارتباط. لكن كما كان متوقعا فإن هذه الخطوة لم تغير نظرة واشنطن أو موسكو الى الجبهة.
وقد ساهم الغموض بشأن الجماعات التي تنسق هجماتها على النظام مع جبهة فتح الشام وبشأن مناطق سيطرة الجبهة في انهيار وقف اطلاق النار الذي نجم عن الاتفاق الاميركي الروسي الأخير في شباط من هذا العام. أما هذه المرة، فيقال إن الروس والاميركيين لديهم خرائط ستسخدم لمراقبة الفصل بين تلك الجماعات، كمقدمة للشروع بالعمل العسكري المشترك ضد جبهة فتح الشام.
بعبارة أخرى، فإن أكثر القوى المعارضة للنظام قوة وفعالية تبدو على وشك أن تواجه عملا عسكريا اميركيا-روسيا مشتركا، بينما تواجه الجماعات المتحالفة معها ضد النظام خيارا من اثنين، عليها اتخاذه تحت تهديد السلاح.
إما أن تنفصل كليا عن جبهة فتح الشام، مع كل ما يعنيه ذلك ليس فقط من ناحية وقف العمليات المشتركة ضد النظام، بل وعدم الانتشار أيضا في المناطق نفسها التي تنتشر فيها بعد الآن، أو أن تنضم إلى جبهة فتح الشام وتصبح هدفا لعمليات عسكرية اميركية - روسية مشتركة.
من الواضح أن هذا مفيد للرئيس السوري بشار الأسد. فأحد أبرز أعدائه يواجه، عمليا، حربا عالمية، بينما يواجه عدو آخر، تنظيم الدولة الإسلامية، أصلا تحالفين دوليين ضده.
لكن الأسد أيضا سيكون محدودا في حركته. إذ لا يمكنه أن يسعى إلى كسب مزيد من الأراضي من معارضيه ما دام ثمة وقف لإطلاق النار. ويواجه معارضوه قيودا مشابهة في ظل وقف إطلاق النار.
وقد كان النظام السوري في وضع تدهور مطرد العام الماضي قبل التدخل العسكري الروسي المباشر الى جانبه. غير أن الدعم الحيوي الذي يحصل عليه من روسيا وايران لا يغير في واقع أنه أمام نقص في عدد المقاتلين في جيشه، وأنه يواجه صعوبات في توسيع رقعة سيطرته في البلاد.
ليس ثمة جديد في أن قوى دولية فاعلة تقاتل أعداء الاسد، فهذا الاتفاق يبني على هذا القتال ويصعده، كما أنه يحد من قدرة الطرفين، النظام ومعارضيه، على توسيع رقعة سيطرتهم والتقدم نحو انتصار ساحق، وبالتالي يعزز واقع تقسيم سوريا.
وقد ينهار الاتفاق لأسباب عدة، كخروقات أحد الأطراف والخروقات المضادة، او انعدام الثقة بين الجيشين الأميركي والروسي.
لكن الحال الذي صمد حتى بعد انهيار الاتفاق السابق يبدو مرشحا للصمود الآن، فالولايات المتحدة وروسيا تخوضان حربا مشتركة ضد جماعات "الجهاد الدولي" السنية في سوريا، وبالنسبة لروسيا، يظل الأسد حليفا في تلك الحرب، أما بالنسبة لواشنطن، فهو إحيانا حليف غير مباشر وغير معلن، وفي معظم الاحيان مجرد تفصيل.
المصدر: BBC