في ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لا بد من تكسير الاسطورة. وحده هذا الفعل يعيد للبطولة انبل اشكالها. هؤلاء لم يكونوا الا اناساً عاديين جدا. آلاف ذهبوا الى القتال. استشهد بعضهم واسر العشرات وعاد الاخرون الى جوار عائلاتهم، حاضنين اسرارهم وليناموا بصمت الى جانبها.
ايها ايها العاديون جدا، لقد كنتم فعل السياسة في حدها الاقصى في لحظة الهزيمة الأقسى. كنتم مستعدون للتضحية بالحياة الوضعية من أجل حياة وضعية أبهى للآخرين.
لكن ماذا عن اليوم ؟ هل ندرك حقا أن الحرب التي اقتضت حمل السلاح طوال 15 عاما، قد انتهت منذ أكثر من 26 عاما ؟ هل ندرك حقا أن البندقية كفعل سياسي هي الاستثناء في تاريخ اليسار في هذا البلد لا القاعدة ؟
صحيح ان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي جزء أساسي من تاريخ الشيوعيين واليساريين في لبنان كما هو الحرس الشعبي والانصار والنضال العمالي والسياسي, لكنها تبقى في النهاية محطة نضالية لا ولن ينتهي الزمن عندها. اما التقديس الذي يحمل في طياته بعدا تأسيسيا يظهر ان البعض يريد أن يبقى أسير هذه اللحظة. وكأن متلازمة جمول قد التصقت بحراكنا السياسي الآنيّ الى الابد لتكون ميزان العدل ومعيار ومحدّد كل ما نقوم به .
هذا التقديس هو القطيعة الاخطر مع الثقافة الحقيقية لليساريين والشيوعيين اللبنانيين الاوائل حيث لم يكن لا العنف المسلح قائماً هدفا بذاته ولذاته. هؤلاء لم يحملوا السلاح قبل احداث 1958 ورموه مع انتهاء الاحداث. ثم عادوا وحملوه في نهاية الستينات. حملوه فقط يوم كانت الارض محتلة ولم يكن هنالك من دولة تدافع وتصد الاحتلال الاسرائيلي.
لهؤلاء المجهولين المعروفين : لا اعرف ان كنت املك شجاعتكم وتفانيكم، لو كنا على زمانكم لحملنا السلاح مثلكم. انا اليوم احتفل بالجبهة كجزء من تاريخ ناصع لنتذكر انه حين دخل العدو الى الارض قام شباب في عمر الورد بالتصدي له وطرده.
أما أن نحمل السلاح في عقولنا الى الابد بانتظار هذا اليوم فهذا هو الابتعاد عن جوهر فكرة المقاومة بصفتها حالة استثنائية يفرضها وجود الاحتلال، لا دوامة دائمة قائمة.
في يومكم أيها الابطال العاديون جدّاً حتى الثمالة : ليتني أحيا ما تبقى من أيامي دون ان يكون السلاح جزءا متلازماً منها كما كان السلاح جزءاً من حيواتكم.
ليت هذه البندقية الطارئة تغادرنا نهائيّاً ولا تبقى عنواناً لنضالنا السياسي أو ممراً الزامياًّ لمستقبل اولادي وأولادكم من بعدنا ...
عن الفيسبوك- علي مراد