كل ما يجري تداوله رئاسياً قبل جلسة الحوار الثنائي بين «حزب الله» و «المستقبل» المقررة في العشرين من أيلول الحالي، لا يخرج عن إطار «التسالي السياسية» أو رغبة كل طرف في شراء الوقت وترك الخطوط مفتوحة في كل الاتجاهات.
في جلسة العشرين من أيلول الحوارية، وعلى مسمع من «أذن» الرئيس نبيه بري في عين التينة، يفترض أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ومدى جدية كل ما أثير من دفق إعلامي وسياسي في اتجاه الرابية، حول نية الرئيس سعد الحريري تبني ترشيح العماد ميشال عون.. وصولا إلى القول إن جلسة الثامن والعشرين من أيلول الحالي، ربما تشهد حسابات جديدة في الملف الرئاسي.
وعلى مسافة أقل من أسبوعين من الجلسة الرئاسية التي ستحمل الرقم 45، يمكن القول إنه للمرة الأولى منذ انطلاق الحوار العوني ـ الحريري قبل سنتين ونيف، أصبح موضوع ترشيح «الجنرال» محور أخذ وردّ كبيرين في «تيار المستقبل»، بمعزل عما إذا كان سيؤدي إلى نتيجة ملموسة أو ربما يؤدي إلى تعقيد المشهد الرئاسي أكثر.
في التفاصيل، تنطلق طائرة وزير الخارجية جبران باسيل من بيروت إلى نيويورك، فيكتشف معظم أعضاء الوفد الرسمي اللبناني أن رئيس «التيار الحر» غير موجود بينهم، لتحط بعد ساعات قليلة رحلة «الميدل ايست» في باريس، فيصعد باسيل إلى الطائرة، قبل أن يسري همس مع وصول الوفد إلى نيويورك حول حقيقة المحطة الباريسية وما إذا كان قد تخللها لقاء بين باسيل ورئيس «تيار المستقبل»، خصوصاً أن الحريري كان قد عاد مساء الأربعاء من الرياض الى باريس، من دون أن «يفوز» إعلامه المرئي والمكتوب، للمرة الأولى منذ 11 سنة، بالتقاط صورة له وهو يشارك في تقديم التهاني للملك سلمان بن عبد العزيز في الديوان الملكي السعودي في أول أيام عيد الأضحى المبارك.
هذا اللقاء بين الحريري وباسيل إن كان قد حصل (لم يؤكد الطرفان ذلك)، يطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة السلوك «المستقبلي»، خصوصاً في ضوء التعامل مع لقاء عون ـ الحريري في أوروبا قبل سنتين ونيف، لجهة نفيه ومن ثم تأكيده، والأمر نفسه يسري على لقاء الحريري وزعيم «المردة» سليمان فرنجية قبل حوالي السنة في باريس، وكيف تم نفيه أيضاً ومن ثم تأكيده!
والمفارقة اللافتة للانتباه أن الدكتور غطاس خوري، وبصفته مستشاراً للحريري، «تبرّع»، أمس، في بيروت، بطلب موعد للقاء وزير الثقافة روني عريجي في مكتبه في وزارة الثقافة قرب «البريستول»، وهناك وجد نفسه معنياً بتقديم توضيحات وتأكيدات أن لا تغيير في موقف سعد الحريري من المضي في ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وأنه إذا حصل أي تعديل «لن يكون إلا بالتفاهم معكم ومع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وباقي الحلفاء والأصدقاء»!
وفي الوقت نفسه، تبرّع كل من اعلام «تيار المستقبل» و «التيار الحر» في النفي المتبادل لما أشيع عن قيام نادر الحريري بإبلاغ الرابية قرار «تيار المستقبل» بتبنّي ترشيح «الجنرال» والمشاركة على هذا الأساس في جلسة الثامن والعشرين من أيلول المقبل.
والجدير ذكره أن غطاس خوري نفسه كان قد أعلن بعد محاولته استمزاج رأي رئيس «القوات» سمير جعجع قبل ايام قليلة، أن رئيس «المستقبل» العائد إلى بيروت قريباً (في الحادي والعشرين من الجاري)، يتجه نحو اعادة مراجعة خياراته الرئاسية، خصوصاً أن ترشيح فرنجية لم يؤد غرضه بإحداث الخرق المطلوب وأن الاستمرار في الوضع الحالي يؤدي الى المزيد من النزف والتردي.. وبالتالي يهدد بالمزيد من الانهيار.
ولم يعد خافياً وجود تيار وازن في «المستقبل» يجد آذاناً صاغية عند الحريري، رأس حربته وزير الداخلية نهاد المشنوق (صاحب نظرية «يجب أن نكون تيار قرار وليس انتظار») والمستشاران السياسيان نادر الحريري وغطاس خوري، فضلاً عن امتدادات لا تزال خجولة حتى الآن ضمن الكتلة النيابية الزرقاء.
ومع هذا المناخ المتصاعد وما يرافقه يومياً من ضخ إشارات إيجابية، سواء أكانت متعمدة أم عفوية، في اتجاه الرابية، فتح الحريري، بشكل غير مباشر الباب أمام تهيئة قواعده وجمهوره لكل الاحتمالات الرئاسية من جهة وأعطى إشارات بأنه يملك وحده فرصة القرار في تحديد من سيكون رئيس جمهورية لبنان للسنوات الست المقبلة من جهة ثانية.
هذه هي قراءة «المتفائلين» في «المقلبين»، لكن هؤلاء لا يغفلون وجود مصلحة لدى من يسرّب سواء أكان عونياً بهدف زيادة الضغط على الحريري أو أن ثمة «طابورا خامسا» يتولى التسريب وهدفه إيذاء العونيين قبل غيرهم، خصوصا أن السيناريو نفسه كان قد حصل في الثامن من آب الماضي وجاءت ارتداداته سلبية على الحالة العونية، فكيف اليوم، مع حالة التحشيد لما بعد الثامن والعشرين من أيلول وصولا الى استحقاق «الشارع الكبير» في الثالث عشر من تشرين الأول؟
لا ينفي هذا التفاؤل المتعمد في بعض البيئة الحريرية، حقيقة وجود كتلة نيابية وقواعدية «مستقبلية» وازنة رافضة لترشيح «الجنرال» (على رأسها فؤاد السنيورة) حتى لو أدى ذلك إلى «الطلاق» مع الحالة الحريرية وزعيمها، وبالتالي، الاستعداد لاستنساخ تجربة أشرف ريفي وتحويلها الى ظاهرة يمكن أن تتمدد في معظم مناطق نفوذ الحالة الحريرية في لبنان من العرقوب جنوبا حتى عكار شمالا.
غير أن التعمق في قراءة المشهد السياسي، وخصوصا الرئاسي، لا يجب أن يقفز فوق عنصرين مركزيين، أولهما، حقيقة الموقف الأميركي من وصول العماد عون إلى سدة رئاسة الجمهورية، خصوصا أن الزيارة التي كانت قامت بها السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد قبل فترة للرابية جاءت بناء على نصائح داخلية لبنانية، وتخللها ما يشبه «الامتحان السياسي» للعماد عون، وكانت النتيجة، وفق أوساط تتردد بشكل دائم على السفارة الأميركية، سلبية للغاية، سواء في ما يتصل بعدم وجود مرشح لدى «الجنرال» لقيادة الجيش، أو إزاء حقيقة موقفه من «حزب الله» وسلاحه وانخراطه في الحرب السورية، فضلا عن موقفه من النظام السوري والرئيس بشار الأسد، وهي الأجوبة نفسها، التي تجعل «حزب الله» وحلفاءه الإقليميين أكثر تمسكا بترشيحه لرئاسة الجمهورية!
ولا يجوز إغفال حقيقة المهمة التي قالت السفيرة ريتشارد أنها مكلفة بها، قبل أن تغادر واشنطن باتجاه بيروت، واختصرتها بعبارة تفكيك منظومة «حزب الله»، وقالت ردا على سؤال أمام الكونغرس أن لا خوف على اللبنانيين من تنظيمي «داعش» و»النصرة». وعندما قيل لها ما هو التهديد الأول المحدق بلبنان؟ أجابت ريتشارد:»نشاطات حزب الله في سوريا هي التي تخلق مخاطر أمنية جدّية للبنان»!
أما العنصر الثاني، فهو الموقف السعودي، فليس خافيا على أحد أن بين أبرز أسباب احتجاج السعوديين على سعد الحريري، عدم قدرته على لجم «حزب الله»، وبالتالي، تحويل لبنان بشكل أو بآخر إلى «منصة إيرانية» وساحة دعم رئيسية للنظام السوري، «فهل يختلف اثنان في القول أن مجرد وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، يعتبر بعد سنتين ونيف من الفراغ، بمثابة انتصار معنوي وسياسي كبير لـ «حزب الله» وأمينه العام، وكيف سيكون صدى هذا «الانتصار» عند المسيحيين تحديدا الذين أيقنوا بالملموس أن «حزب الله» عندما يضع يده بيد فريق لبناني آخر، يحترم خياراته ولا ينقلب على حلفائه، كما حصل في حالة «المستقبل» والرصيد المتآكل مع معراب والمختارة والصيفي وحتى بعض الحلفاء «المستقلين»!
للمرة الأولى منذ بدء الفراغ الرئاسي في ليل الخامس والعشرين من أيار 2014، يجد ميشال عون نفسه أمام معطيات جديدة، إلى حد جزم بعض الأوساط المقربة منه أن جلسة الثامن والعشرين من أيلول الحالي «ستكون جلسة مفصلية».
بالنسبة للعونيين ومعظم الرأي العام اللبناني، ليست المرة الأولى التي ينام فيها عون مطمئن البال على «وسادة بعبدا». لذلك، يتصرف الجميع مع هذا المعطى بحذر استثنائي. لننتظر الثامن والعشرين ومن بعده تلويح العونيين بـ «طوفان الشارع» بدءا من 29 أيلول... وصولا الى 13 تشرين الأول.