قد يكون أكثر ما يدلّ على كفاءة الجيش اللبناني هو قبضه على العديد من الرؤوس الكبيرة الذين إما قُتلوا أو يخضعون للمحاكمة، ومن بينهم القياديان في "داعش" طارق الفليطي الذي اوقِف، وسامح البريدي الذي قُتل في إحدى أهم العمليات التي نُفّذت في عرسال، وقد اطّلعت المصادر على تفاصيلها والتي تكشفها للمرة الأولى.
لا شك في أنّ هذه العملية الأمنية تُعتبر من أهم ما حقَّق الجيش، إذ إنّ الفليطي والبريدي مرتبطان بمعركة عرسال الأولى، بعدما وصلت الأحداث إلى ذروتها في 2 آب 2014 حين استولى مقاتلو "جبهة النصرة" على البلدة قبل أن تندلع مواجهاتٌ عنيفة مع الجيش أسفرت عن مقتل العشرات واختطاف 27 جندياً لبنانياً، بقوا في قبضة "النصرة" لفترة طويلة، والفليطي والبريدي هما مَن أخذا الجنود الذين كانوا في بيت مصطفى الحجيري ونقلاهم الى الجرود.
الفليطي والبريدي كانا ينتميان الى "جبهة النصرة"، ثم انشقّا عنها وانضمّا الى "داعش"، وكانا قد شاركا في عمليات قتل عناصر من الجيش، وخطّطا لعمليات إرهابية ونفّذاها، وتمكن الجيش من تحديد مكان وجودهما بعد عمليات رصد ومتابعة طويلة، بناءً على معلومات توافرت لديه، فنفّذ عملية دهمهما حيث قُتل أحدهما وأوقِف الآخر.
أما الجديد في هذه القضية، فهو ما تبيّن نتيجة التحاليل التي يقوم بها فريق مختص بعد كلّ عملية ينفّذها الجيش، حيث يُحلّل وقائعها والظروف التي نُفّذت فيها للإستفادة ممّا حصل وتفادياً للوقوع في الأخطاء نفسها ولتحسين الأداء. وعلم أنه وخلال تحليل هذه العملية، أظهرت المؤشرات أمراً لافتاً، هو أنّ مصدر المعلومة الأساسية عن مكان وجود هذين الشخصين كان الشيخ مصطفى الحجيري نفسه الذي كان يحتجز العسكريين المخطوفين لحين نقلهم، وهو لم يخبر الجيش مباشرةً عما يملك في جعبته من معلومات، بل أدلى بها أمام طرف ثالث كان يعلم بأنّه سيوصلها للجيش.
الفرضيّات وراء هذه الخطوة
وتقول الفرضيات إنّ سبب إفصاح الحجيري عن هذه المعلومة هو قيامه بحسابات دقيقة جداً، ومحاولته التخطيط لصفقة ما نتيجة قراءته للوضع في سوريا، فهذه العملية جاءت في الفترة التي قيل فيها إنّ "جبهة النصرة" انفصلت عن "القاعدة"، وأصبح اسمها "جبهة فتح الشام" ساعيةً من خلال ذلك الى إظهار نفسها على أنها معتدلة، وأنها ذراع الغرب في العمليات ضد النظام السوري، وبناءً على ذلك قد يكون الحجيري سعى لتسويق نفسه على أنه صورة لهذا الإعتدال.
أما الإحتمال الثاني فيقول إنه وفي حال حصول تسوية ما، فإنّ الحجيري يسعى إلى "حفظ رأسه"، كونه متهماً بقضايا وعمليات عديدة، وفي ظلّ قراءته للوضع الإقليمي قد يكون سعى إلى تسليف قيادة الجيش موقفاً معيّناً عبر تسهيل تسليم مطلوبَين مهمَّين ليحمي نفسه في المرحلة المقبلة.
في هذا الإطار، يكشف مصدر معني أن "لا علاقة مباشرة بين الحجيري والجيش"، موضحاً أنّ"كشفه للمعلومات جاء عمداً، خصوصاً أنّه حاول في مرة أخرى التلميح الى جهات معيّنة أنها وراء هذا الموضوع". ويؤكد المصدر أنّ "الجيش لن يساوم على دماء شهدائه، وملف الحجيري القضائي سيبقى كما هو، ومهما حاول فإنه لن يغيّر شيئاً في موقف قيادة الجيش منه، لأن لا مجال للتجارة بدماء شهداء معركة عرسال".
وتقول المعلومات إنّ الجيش أصبح يملك داتا كاملة عن أسماء الذين خططوا وحضّروا العمليات وعن الذين نفّذوها، وتُجمع المعلومات عن هؤلاء الأشخاص من خلال شبكات موجودة في كلّ المناطق ومن خلال مواطنين عاديين، حيث يؤكّد المصدر أنّ "البيئة في عرسال أصبحت ملائمة أكثر لعمل الجيش، ولا خوف من تكرار ما حصل عام 2013 مع استشهاد النقيب بيار بشعلاني والرقيب أوّل ابراهيم زهرمان إثر تعرّض دوريّتهما آنذاك لكمين مسلّح، فالبيئة باتت صديقة للجيش علناً، ولا مسلّحين ظاهرون فيها بل البعض ممَّن يتسلّلون الى المخيمات على أطراف البلدة لرؤية عائلاتهم من دون أسلحة، والجيش يتّكل بثقل على أبناء عرسال الذين برهنوا عن دقة في التعاون، والدليل هو تهديد رئيس البلدية ومحاولة اغتياله، فالصورة التي كانت مرسومة من خلال مصطفى وعلي الحجيري ليست صحيحة، والجيش كان يعلم بذلك، لهذا لم يعرّض عرسال في أيّ تصرّف منه للخطر".
ربى منذر | الجمهورية