سعد الحريري الشاب الذي دخل نادي السياسيين في لبنان تحت لواء والده الشهيد رفيق الحريري، وشاءت الظروف أن يرث والده في السياسة كما ورثه في المال فتربع على عرش قيادة تيار المستقبل خليفة لوالده، ليرثه لاحقا في الزعامة السنية لبيروت ولبنان في أدقّ المراحل السياسية التي مرّت على لبنان والتي أعقبت اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري.
وكان لبنان حينذاك في عين العاصفة، وكانت المسؤوليات كبيرة جدا، واستطاع سعد الحريري في تلك الفترة الإمساك السياسي بتيار المستقبل وقاد حركة 14 اذار، إلا أن تحركه السياسي بقي بعيدا عن أي خطة أو برنامج عمل، إذ لم يلتزم الحريري أي خطة سياسية يقود من خلالها البلاد وفق الرؤية التي تركها والده الشهيد رفيق الحريري، وكانت كل أعماله ومواقفه كما مواقف 14 أذار خاضعة لردات الفعل، نظرا لطبيعة التحالفات والتناقضات التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
راكم سعد الحريري تجربة سياسية بقيت ضعيفة، إذ لم يستطع النهوض السياسي الكبير بل على العكس من ذلك، تراكمت الأخطاء السياسية إلى حد كبير بات معها عاجزا عن الإستمرار، فخرج من لبنان بحجة التهديدات الأمنية ليقيم بين السعودية وفرنسا تاركا وراءه تيار المستقبل و14 أذار الأمر الذي أدى إلى مزيد من التراجع والإنحلال السياسي والمعنوي لتياره ما أدى الى بداية اعتراضات كبيرة في المستقبل على خلفية غيابه وسقطاته السياسية العديدة، وشكلت ظاهرة أشرف ريفي الصورة الأكثر تعبيرا على رفض سياسات الحريري في مقاربة الملفات والأحداث اللبنانية .
خاض الحريري تجربته السياسية تلك مدعوما من المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد الله ودافع عن السياسات السعودية في لبنان في مقابل بعض الإعتراضات وكان رأس حربة المشروع السعودي في لبنان، واحتضنته السعودية بدورها برعاية مالية وسياسية لم تدم طويلا فتدهورت أوضاع المنطقة بشكل واسع وتوفي الراعي الحقيقي للحريري الملك عبد الله لتبدأ السعودية عهدا جديدا مع الملك سلمان الذي بدأ عهده بتولية مجموعة من الشبان على رأس القرارات السعودية وشكل ذلك بداية انتكاسة الحريري سياسيا وماليا .
شكلت الأحداث المتسارعة في المنطقة مواقف سعودية تصعيدية من إيران، وكانت بحاجة للمواجهة بما تملك من قيادات وشخصيات على مستوى العالم العربي والاسلامي، فطلبت من الحريري اتخاذ موقف حاسم من التدخل الايراني في المنطقة وفي نفس الوقت من حزب الله، إلا أن الحريري اللبناني لم يستطع الامتثال للاوامر السعودية خوفا أو مماطلة فكان لا بد سعوديا من العقاب المالي فجاء قرار تجميد مستحقاته المالية في السعودية إيذانا بإعلان المواجهة سياسيا وماليا فظهر أشرف ريفي من جهة وتدهورت شركة سعودي أوجيه التي يملكها الحريري من جهة ثانية، وفي نفس الوقت نأت السعودية بنفسها عن لبنان وتركت الحريري في مهب الريح.
فكان الحريري أمام خيارات أحلاها مرا، هل يعود الى السعودية لينقذ ما تبقى من ثروته؟ أو يعود إلى المحور الإيراني وحزب الله المتهم بقتل والده؟
إن إخفاق الحريري السياسي في لبنان يضعه اليوم أمام خيارات جدية للإستقالة من الحكومة ولاحقا من العمل السياسي في محاولة لإنقاذ ما تبقى من ثروته المالية، وبالتالي فالسؤال المطروح الآن: أي مصير ينتظر الطائفة السنية في لبنان بعد الإنكفاء السعودي وانكفاء الحريرية السياسية ؟ وأي بديل يجري التحضير له من قبل حزب الله الذي بات يمسك بزمام المبادرة ومن هو الشخصية السنية الملائمة التي تناسب حزب الله؟ وهل يمضي حزب الله بسياسة الإعتدال أو بسياسة التطرف ؟
خيارات مفتوحة على الأسوأ، وكل الأبواب السياسية الآن مفتوحة على شتى الإحتمالات وربما تكون كلها سيئة .