يكشف الحراك الدبلوماسي الأميركي الكثيف صوب بغداد بالتزامن مع الاستعدادات الجارية لإطلاق المرحلة الحاسمة من معركة استعادة مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى من تنظيم داعش، عن مدى اهتمام واشنطن بتلك المعركة وسعيها للإمساك بزمام المبادرة فيها نظرا لأهميتها في تحديد مصير العراق ورسم خارطة النفوذ داخله في مرحلة ما بعد التنظيم المتشدّد.
وزار الأربعاء وفد أميركي مكون من أنتوني بلينكن نائب وزير الخارجية، وبريت ماكغورك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى العراق، وجوزيف هاريس مدير مجلس الأمن القومي لشؤون العراق، ووكيل وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوزيف بيننغتون، بغداد حيث ناقشوا مع كبار المسؤولين العراقيين ترتيبات معركة الموصل ومواضيع سياسية أخرى.
وسبق لقائد القيادة الأميركية الوسطى، الجنرال جوزيف فوتل، أن توقّع استكمال استعادة مدينة الموصل، قبل نهاية العام الجاري.
لكنّ محلّلين سياسيين اعتبروا ذلك أكثر من مجرّد توقّع وعدّوه قرارا أميركيا بإطلاق معركة نينوى الفاصلة في أقرب وقت على اعتبار أن واشنطن نجحت في أن تصبح صاحبة القرار الرئيسية في الحرب بالعراق مستفيدة من ضعف حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي وكثرة الصراعات بين أطراف الحكم في البلاد.
وخلال زيارة بلينكن الأربعاء لبغداد أظهرت واشنطن مجدّدا دعمها للحكومة العراقية. وقال المسؤول الأميركي إنّ بلاده تدعم بقوة إصلاحات رئيس الوزراء حيدر العبادي والمصالحة الوطنية.
ولا يغيب جانب المجاملة والدعم المعنوي عن هذا الكلام، إذ أنّ العبادي الذي يفتقر للدعم الداخلي حتى من مكونات عائلته السياسية الشيعية، فشل عمليا في تمرير أي من الإصلاحات التي كان قد أعلن عنها. ومن مصلحة واشنطن الحفاظ على تماسك السلطة القائمة في العراق تسهيلا للمعركة المرتقبة ضد داعش في الموصل.
ورجّح بلينكن من جهة أخرى نزوح أكثر من مليون شخص مع بدء عمليات استعادة الموصل، معلنا عزم بلاده على تقديم 181 مليون دولار للدعم الإنساني في العراق خلال المرحلة المقبلة.
وتدرك الولايات المتحدة وجود منافسين شرسين على دور في تلك المعركة، وتسعى -من ثمّ- لملء أي فراغ يمكن أن يشكّل مدخلهم لتعظيم نفوذهم في العراق من خلال المشاركة في الإجهاز النهائي على تنظيم داعش هناك.
وبينما تعمل إيران من خلال محاولتها الزج بالميليشيات الشيعية الموالية لها في معركة الموصل لضمان سيطرة ميدانية على محافظة نينوى المجاورة لسوريا والتي تتيح التواصل المباشر مع نظام بشار الأسد حليف طهران، تعمل تركيا في المقابل من خلال وكلاء لها من السياسيين السنة على ضمان وجود لها في الموصل تحقيقا لمطامع تاريخية في المدينة، وضمانا لمراقبة تحركات الأكراد ولضبط ما يمكن أن يقدموا عليه من خطوات توسعية انطلاقا من إقليمهم في شمال العراق.
وخلال زيارته الأربعاء لبغداد بحث بلينكن حيثيات معركة استعادة الموصل والتطورات الأمنية والسياسية في العراق مع سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي.
وقال الجبوري بحسب بيان أصدره إثر اللقاء إن “الشغل الشاغل اليوم يتمثل بالإعداد والتهيئة لمعركة نينوى الفاصلة”، لافتا إلى ضرورة “استثمار المعنويات العالية وزخم الانتصارات الأخيرة التي تحققت، في عدم منح فرصة للإرهاب كي يتقوى من جديد، وهي مسؤولية لا يمكن للعراق أن يتحملها وحده”.
وأوضح أن التخطيط لمرحلة ما بعد داعش لا يقل أهمية عن مرحلة القضاء على التنظيم المتشدّد، مؤكدا على ضرورة معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهوره.
وأضاف الجبوري أن “الاستقرار السياسي ضمانة للمرحلة المقبلة، وهو يتطلب المزيد من الجهد المشترك والمعالجات السريعة والحقيقية للأزمات التي من شأنها دعم مسيرة الإصلاح التي يترقبها الشعب وهو ما نعمل لأجله ونجتهد في سبيله”.
وبعد زيارته بغداد يتوجّه الوفد الأميركي الخميس إلى إقليم كردستان العراق للقاء رئيس الإقليم مسعود البارزاني وعدد من كبار المسؤولين في حكومة الإقليم لمواصلة المباحثات بشأن الحرب ضد داعش.
صحيفة العرب