المؤشرات محدودة على ان الهدنة العسكرية في سوريا تستتبع، تلقائياً، الهدنة السياسية في لبنان الذي يكاد السفراء الاجانب يجمعون على القول انه، وداخل ذلك الكوكتيل من الازمات، يبدو وكأنه غابة من الالغام.
عطلة العيد باردة وخاوية، وحديث عن ان الفاتيكان الذي يتابع بدقة تطورات «الوضع المسيحي» في لبنان نصح برئيس للجمهورية من خارج السيرك السياسي...
واللافت ان هذا الكلام الذي يتردد في بعض الاروقة السياسية تزامن تقريباً مع سؤال سفير اوروبي كان في زيارة احد المطارنة الكاثوليك: لماذا لا تنتخبوا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رئيساً للجمهورية.
بدقة اشار السفير الى اجتماع الرباعي الماروني في بكركي وتحت عباءة البطريرك، وحيث كان الاتفاق على ان تؤول رئاسة الجمهورية الى احد الاربعة (امين الجميل، ميشال عون، سليمان فرنجية وسمير جعجع).
وتبعاً لكلام السفير فان الاربعة اصطدموا بالحائط. لا احد يمكنه ان يصل الى قصر بعبدا، فلماذا لا يكون المضيف هو «فخامة الرئيس» بالاضافة الى لقبيه الآخرين «نيافة الكاردينال» و«غبطة البطريرك».
السفير تنبه الى ان الراعي لا يستطيع ان ينتقل الى اي مكان آخر، باستثناء الديمان صيفاً، بكركي هي المقر التاريخي للبطريرك الماروني. مثلما هناك فتاوى دستورية هناك فتاوى كنسية...
في كل الاحوال، طرح البطريرك للرئاسة مسألة ليست بالجديدة، وعلى اساس ان الطائفة المارونية باتت بحاجة الى رأس يقودها في هذه المرحلة الدقيقة، لا الى رؤوس تناطح بعضها البعض.
والاستنتاج ان هذا الطرح انما يعكس دقة، وخطورة، المأزق، اذ ان القوى السياسية كافة تشدد على اي «معجزة» تحول دون انهيار الدولة التي تعيش الهشاشة السياسية بكل اشكالها ما يشي بالاحتمالات الخطيرة، فهي لا تزال رهينة الحساسيات المذهبية، وفي ضوء ما حدث بالنسبة الى الشيخ بسام الطراس.
وهنا يقول لـ«الديار» وزير سابق وقانوني بارز انه لم يقرأ في الكلام الذي صدر عن وزير الخارجية جبران باسيل سوى الفديرالية او الكونفديرالية، وهو مطلب مسيحي قد يكون محقاً اذا ما اخذ بالاعتبار  الى اي مدى وصل الاحتقان المذهبي بين المسلمين الذين يشكلون نحو ثلثي سكان البلاد.
غير ان الوزير يشير الى ان لبنان، جغرافياً،  ميني دولة، واهميته الفلسفية والتاريخية تكمن في كونه «بيتاً بمنازل كثيرة»، حتى اذا ما سقطت هذه الصيغة لم يعد هناك مبرر لبقائه، وفي هذه الحالة يفترض الدمج بين الخارطة السورية القابلة لكل الاحتمالات والخارطة  اللبنانية القابلة، بدورها، لكل الاحتمالات.
كل الكلام الذي يتردد الآن في الضوء او بعيداً من الضوء يؤكد ان الدوامة لا تزال على حالها، وان اوحى البعض في تيار المستقبل بان الرئيس سعد الحريري، العائد قريباً الى لبنان، بلور رؤية او مقاربة جديدة للازمة الرئاسية. البعض حتى داخل تيار المستقبل بدأ يروج لفكرة 3 سنوات لعون و3 سنوات لفرنجية والا الذهاب في اتجاه آخر.
الاوساط السياسية ترى ان عــودة الحـريـري، وبعد ذلـك الغياب الغامض الذي اطلق العنان لكل اشكال التكهنات، قد تلقي حجراً في المياه الراكدة، وهذا لا يكفي  النائب جمال الجراح اكد ان الحريري «لن يطلق مبادرات كما اطلق في السابق (القديم على قدمه).
اما ما سيفعله فهو «البحث عن قواسم مشتركة مع القوى السياسية لنخرج من الازمة». 
ورأى انه «لا بد من ايجاد حل معين في مكان غير الذي نحن فيه الآن لوجود استحالات في الواقع السياسي في محاولة انتخاب رئيس للجمهورية»، مشيراً ان «حزب الله» سيطرح التعطيل والاستمرار في التعطيل، وعلى القوى السياسية ان تجد مخرجاً متفقاً عليه بين كل القوى السياسية».
«الديار» سألت سفيراً خليجياً في بيروت، وهو في بلاده حالياً، عن الاجواء الخليجية حيال الاستحقاق الرئاسي في لبنان، فكان رده «يخطئ من يعتقد ان هذه المسألة موضوع اخذ ورد في الحاضرة السياسية السعودية، المملكة على موقفها الذي لم يتغير منذ ان بدأ الشغور الرئاسي في 25  ايار 2016».

ـ ماذا بعد الشارع؟ ـ

اما ما هو هذا الموقف، فالامر متروك للاجتهادات وللتسريبات التي تقول ان انتخاب رئيس للبنان لن يحصل قبل ان يتبلور شكل التسوية في سوريا.
ولكن ماذا يحدث عندما يخرج عون من قاعة الانتظار وينزل الى الشارع؟ لا شيء سيتغير على الارض،  ليبقى السؤال الذي يفترض ان يطرحه التيار الوطني الحر... ماذا بعد الشارع؟
اكثر من جهة سياسية وتلاحظ ان الازمة هي ازمة جمهورية لا ازمة رئاسة  جمهورية. وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس قال «ان الهدف الوطني الاعلى هو ابقاء الدولة على قيد الحياة الى حين بدء بوادر الحلول في سوريا لانه في حال تفكك الدولة في هذه المرحلة سيتحول الاستقرار الامني الذي نعمنا به الى سراب».
واشار الى ان الرئيس سلام «حاول تلافي الالغام، ولم يمرر اي قرار حكومي من دون ارادة التيار الوطني الحر على الرغم من انه تعرض لهجوم غير مسبوق، الا انه غير قادر على التخلي عن مهماته».
ورأى «ان من يهدد بالشارع لن يجد شارعاً مقابلا، ليتقدم ضمناً التيار الوطني الحر بالقول «ان البعض يخترع قواعد من اجل تحقيق مصالحه السياسية وجعل حروف الدستور مطاطية واسرف في تفسيره على حساب (قياس) احواله ومصالحه.

ـ لقاء الحريري ـ عون ـ

والواقع ان الجراح ليس وحده الذي تحدث عن ان الحريري سيبحث مع القوى السياسية عن قواسم مشتركة لتحريك الملف السياسي. ثمة وزير مستقبلي «اوحى» لاحد المراجع بان لقاء بين الحريري وعون ليس مستبعداً، ليشير الى ان رئيس تيار المستقبل قام بـ«جوجلة» دقيقة للمشهد السياسي العام، ولكن دون ان يشير الوزير الى اي لقاءات هامة عقدها الحريري مع مسؤولين سعوديين او غير سعوديين في هذا المجال. وبحسب الوزير، فان الحريري سيحمل معه افكاراً، وانه سيتشاور مع الرئيس نبيه بري ومع النائب وليد جنبلاط في هذه الافكار لانه يريد تأمين التغطية لاي خطوة او لاي طرح قد يراه مناسباً للخروج من عنق الزجاجة.
ربما السجال التوتيري بين بري والدكتور سمير جعجع هو الشيء الوحيد الذي كسر رتابة المشهد السياسي، وثمة من يسأل ما اذا كانت الكيمياء المفقودة بين عين التينة والرابية موجودة بين عين التينة ومعراب. واضح ان الحكيم يحاذر، تكتيكياً واستراتيجياً، ان يخوض المواجهة مع بري يريد ان يبقي على اكثر من شعرة معاوية مع هذا الاخير، ليتفرغ للهجوم على «حزب الله» الذي بات قضيته على مدار الساعة.
استغراب بري اقتراح جعجع خفض عدد المشاركين في جلسة الحوار الى خمسة او ستة (مع ان اللوياجيرغا اللبنانية تضم كل ملوك الطوائف وكل بارونات السياسة) حملت جعجع على التعليق «صديقي الرئيس بري، لقد قرأت مطالعتك في شأن تركيبة الحوار بامعان، ولدي الكثير لاقوله فيها لكنني لن افعل لانني لا احب يوماً ان ادخل في جدل معك».
تمنى لرئيس المجلس «التوفيق مع هذه التركيبة، وامل ان نصل الى اولى نتائج الحوار في الـ11 سنة القادمة ان شاء الله»، لماذا 11سنة؟  على اساس ان زنزانة الحوار هي مثل زنزانة وزارة الدفاع.
تويترياً يرد بري «سبق الفضل، وبدعائك تبخر الحوار»، التعليق «تركيبة الحوار ليست بحاجة الى دعائي حتى تتبخر، بركتها منها وفيها».

ـ لا جديد تحت الشمس ـ

اما في لقاء الاربعاء، فقد ابلغ بري النواب ان «لا شيء جديداً تحت شمس السياسة»، على ان يكون الحوار، في حال عودته على قواعد جديدة، ودون ان يفصح عن طبيعة هذه القواعد».
غير ان الذي توقف عنده بري ما تعرضت له المديرية العامة للامن العام من حملات ورسائل وتهديدات بسبب توقيفها الشيخ بسام الطراس على خلفية تفجير كسارة.
رئيس المجلس قال «لنترك الامن والقضاء يعملان بعيداً عن مثل هذه المزايدات لانهما يشكلان مظلة تحمي الجميع  وتحفظ استقرار البلد وسلامته».
الحملة كشفت مدى هشاشة الوضع المذهبي وقابليته للانفجار. كثيرون استعادوا تجربة الامن العام مع شادي مولوي والى اي مدى هددت امن مدينة طرابلس بل وامن البلاد باسرها.
مصدر وزاري قال لـ«الديار» هناك من هو جاهز لاستعمال اسلحة الدمار الشامل من اجل تشكيل قاعدة شعبية له، وهناك من يدعي الاعتدال ولا يستطيع ترجمة ذلك حفاظاً على قاعدته حتى ولو خربت الدنيا».

ـ التيار: اعذر من انذر ـ

المصدر الوزاري يقول ان قضية الطراس كشفت الى اي مدى تقف الجمهورية على حافة الهاوية والمديرية العامة للامن العام اصدرت بياناً «متشدداً» في هذا الشأن، ونبهت الى«خطورة ومغامرة الزج باسمها في الاستقطابات السياسية الداخلية التي هي بمنأى عنها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً كونها مؤسسة وطنية جامعة تلتزم القوانين وتعمل بموجبها ولا شيء غيرها».،
المشكلة السياسية تراوح مكانها، وفي اجتماعه الاسبوعي اكد تكتل التغيير والاصلاح «اننا عندما نتحرك لن يقف تحركنا واعذر من انذر، فهو لن يتوقف قبل الرئاسة وقانون الانتخاب بالمعايير الميثاقية لا اكثر ولا اقل».
واشار بان التكتل الذي تلاه الوزير السابق سليم جريصاتي الى «الموعدين في 28 ايلول حيث محطة الاستحقاق الرئاسي الوطني و13 تشرين الاول حيث المحطة الفاصلة».
بموازاة خيار الشارع، بكل احتمالاته خصوصا مع التهديد بخطوات غير مسبوقة تطاول المؤسسات الدستورية (هل تصل الى قصر بعبدا؟) نقلت قناة «المنار» عن مصادر في التيار الوطني الحر ان سلام بعث برسالة الى عون يبلغه فيها عدم نيته الدعوة الى جلسة حكومية «قبل تبلور الموقف».
وقبل عودة الحريري الى بيروت، كان هناك كلام لمستشاره غطاس خوري قد يفتح الباب امام مرحلة جديدة. 
قال «في حال لم يتفعل  ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة فذلك يعني اننا اصبحنا في مرحلة جديدة يجب ان نبحث خلالها في امور مختلفة عن ترشيح فرنجية وترشيح النائب ميشال عون».

ـ صفارة المرشح الثالث ـ

اضاف ان «لدينا قراراً بالخروج من المراوحة» ما معناه ان الحريري سيطلق صفارة البحث عن المرشح الثالث غير عون وغير فرنجية. من هو الاسم الذي سيحمله رئيس تيار المستقبل من مراجع دولية او اقليمية لطرحه مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
وهنا ترى الاوساط السياسية ان الحريري يعلم ان اي اسم سيطرحه لن يصل الى قصر بعبدا ما دام الجنرال مصراً على ان يكون هو رجل القصر. وقد يكون الطرح تكتيكياً، ولوقت محدد، ليصل في نهاية المطاف الى تبني ترشيح عون بعدما بات  مؤكداً ان رهان الحريري على العودة الى السراي الحكومية هو رهان مصيري وعلى المستويات كافة.
وتشير الاوساط اياها الى ان سلام الذي كان مصراً على الاستمرار في عقد الجلسات، ولو من حيث الشكل، لم يكن ليبعث برسالة الى الرابية في شأن انتظار تبلور الوضع لو لم يكن هناك جديد على الصعيد الخارجي، وربما على الصعيد الداخلي، خصوصا وان التطورات في سوريا تنبئ بمرحلة جديدة.
الهدنة في مكان، لكن العيون في مكان آخر، لماذا تحركت اسرائيل بالتزامن مع موعد الهدنة، وهي التي طالما اصرت على ان يكون لها دور محوري في التسوية السورية بعدما عقدت علاقات وثيقة مع اكثر من فصيل سوري، لا سيما مع «جبهة النصرة» (جبهة فتح الشام)؟
مصادر ديبلوماسية غربية تقول انه عندما تأخذ الرياض وانقرة بالاتفاق الاميركي - الروسي يصبح هامش المناورة امام الاسرائيليين محدوداً جداً، لتشير الى ان الروس يتحدثون عن استنفار في سوريا لمواجهة اي تصعيد اسرائيلي.
وحين يطلق السوريون صواريخ «اس.اس -200» الروسية الصنع باتجاه الطائرات الاسرائيلية لا بد ان يكون هناك من قرأ الرسالة وفهم ما تعنيه.