لا يزال الرئيس نبيه بري يعتبر أن اقتراحه الاتفاق على "سلة" متكاملة من البنود هو المدخل الأصحّ لتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويعتبر أنه بمجرد الاتفاق على "السلة " التي يتحدث عنها، فإن الرئيس ينتخب خلال ساعات! بمعنى آخر، يعتبر بري أن المشكلة لا تتلخص باسم الرئيس، بل بما هو حول الاسم، أي الرئاسات الثلاث، وتشكيلة الحكومة الاولى للعهد، وقانون الانتخاب.
معنى ما تقدم أن لبنان في حاجة الى "دوحة - ٢" لتحقيق اختراق في جدار ازمة الشغور الرئاسي، وان لبنان - "الطائف" صار في حاجة الى تعديلات جوهرية على النص الذي سبقته الوقائع على الارض. فعلى سبيل المثال، ينطلق التفكير في الحاجة الى "السلة" من مسلمة أن الدستور كما هو مكتوب، غير كاف، ويحتاج الى مواءمة مع متطلبات "الديموقراطية التوافقية"، أي ديموقراطية الفيتوات المتبادلة، والتي بقيت حتى الآن ورقة قوية بيد "الثنائي الشيعي" حامل السلاح من خارج الدولة والدستور والقانون.
طبعا، يعمل "الثنائي الشيعي" على استدراج قسم من المسيحيين (العونيون) المستائين من تكاثر العراقيل في وجه وصول الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة الاولى. كما يتم استدراج قسم آخر منهم بدغدغة لاوعيهم "الفيديرالي" (سامي الجميل). هؤلاء يُعمل على استدراجهم الى مستنقع "السلة"، جهارا او مواربة تحت عنوان "استعادة حقوق المسيحيين" المسلوبة من السنة! ولكن شتان ما بين حلم استعادة حقوق المسيحيين وركوب "الثنائي الشيعي" موجة أبلسة دستور الطائف للالتفاف على إشكالية السلاح غير الشرعي، الذي يبقى أصل الازمة الراهنة.
ليس ما تقدم محاولة لرمي الرئيس نبيه بري بتهمة التآمر لمصلحة "حزب الله"، إنما هو محاولة منا للقول ان مواصلة اللبنانيين الانصياع لمنطق الخروج على الدستور، والقانون، والحياة الوطنية السوية، ليس خيارا ناجعا للخروج من مسلسل الازمات التي نعرف تمام المعرفة ان حجم "حزب الله" ودوره وظيفته وطبيعته العدوانية هي المتسببة بتكاثر الازمات منذ إخراج جيش بشار الاسد من لبنان.
إذا سلّمنا بـ"السلة" التي ينادي بها الرئيس نبيه بري تحت عنوان الخروج من الازمة، وجرى الاتفاق عليها وانتخاب رئيس جديد، فماذا يحصل في المرة المقبلة، اي عند اي استحقاق آخر كبير كاستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية؟ هل تصبح "السلة" التي تكون بمثابة "دوحة-٢" عرفا أقوى من الدستور؟
سؤال مشروع، في ظل تنامي ورم "حزب الله"، وتشتت القوى الاستقلالية، وتركيزها على صغائر الامور، فيما المطروح هو مصير لبنان قبل مصير الرئاسات! فمن الهجمة الديموغرافية المخيفة، الى عسكرة المفاصل الاساسية لهذا التمدد الديموغرافي في كل المناطق، الى التمدد العقاري الممنهج والمتمم للتمدد الديموغرافي، فتوليد العصابات المسلحة "سرايا المقاومة" في صلب المجموعات اللبنانية، لتكون بمثابة "باسيج" محلّي لتأديب اللبنانيين وتطويعهم، وتركيعهم في حياتهم اليومية. كل هذه لا نجد لها حلا في "سلة" الرئيس نبيه بري! ولذلك نقول للبنانيين انظروا الى حيث هي المشكلة الحقيقية ولا تضيعوا البوصلة!