ليس كل مَنْ أُتيحَ له منبر صار خطيباً، ولا كل مَنْ اعتلى خشبة بات سياسيّاً، يحلِّل ويُحرِّم على نحوِ ما يحلو ويخطر له.

الميثاق اللبناني الذي رافق بولادته الاستقلال "التام" و"الناجز" هو "الدستور التأسيسي" الفعلي، الذي لم يُكتب منه حرف واحد إلّا أنه اعتُبر بمثابة "دستور مرادف".
وحين انبرى أحد النواب مطالباً بكتابة الميثاق، تصدَّى له الرئيس صائب سلام مؤكِّداً أن الميثاق مقيم في وجدان اللبنانيَّين وعقولهم وقلوبهم... بل من الصدر يطلع، لا من القلم والورقة". ومن الواقع اللبناني حبره والورق.
محاولة جسِّ النبض، أو التخويف، أو تهبيط الحيطان بلباس مكتوب عليه عنوان "المؤتمر التأسيسي"، هذا كلُّه ما كان ليكون لو لم يخطر في بال أحدهم أو بعضهم إطلاق صفارات "الميثاقية"، وتوزيع غربالها على كل ما في الدولة... وحتى في الطبيعة: فالطقس ميثاقي. والباذنجان ميثاقي قبل الفول المدمَّس والمجدّرة. التبّولة والكبِّة النيَّة حتماً ميثاقيّتان، إلى آخر المعزوفة التي أثارت، كالعادة، موجة من الاستهجان والاستغراب...
في الزمن الجميل، وزمن لبنان الميثاق، ولبنان الأصول واللعبة البرلمانيّة والنظام الديموقراطي، الذي غدا "مثلاً" لا تخلو منه خطبة في منبر عربي، في ذلك الزمن الجميل كان هناك رجال، ومسؤولون، وقادة، وزعماء، حرصاء على المواقف المناسبة، وعلى الكلام المناسب حرصهم على لبنان وميثاقه وتركيبة الثماني عشرة طائفة "المحميّة" تلقائيّاً بشمول الميثاق لها وإن كان غير مكتوب.
صحيح وفي محلّه، ما ورد في مقالة للمحامي آلان رنو نشرت في "النهار" الاثنين الفائت أن "لا شرعيَّة لأيِّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، وفقاً للفقرة "ي" من مقدّمة الدستور.
من باب التذكير والتأكيد لمن يهمّهم الأمر ويعنيهم، أن الميثاق غير المكتوب لا يزال بفاعليته و"نصّه الشفهي"، المحفوظ في الصدر لا في الكتب، يُعتبر في منزلة حامي حمى الدستور، ومرادف له، وإن بقي من دون نص رسمي "خاص".
لكنّه لا يزال بالنسبة الى "الدستوريّين"، والحرصاء على لبنان الواحد، وعلى الوحدة الوطنية والعيش المشترك، بمثابة "دستور مرادف".
أمّا بالنسبة إلى أولئك الذين يطيب لهم أحياناً هزَّ عصا "المؤتمر التأسيسي"، أو إنزال "حمولة الميثاقيّة" في ساحة النجمة، فليس لهم سوى النصيحة، والنصيحة قديماً كانت بجمل.
فلا المملكة العربية السعوديّة "فاضية" لتغنيج اللبنانيّين بـ"الأسلوب" الذي "طبّق" في مؤتمر الطائف. ولا الدوحة راغبة في ارتكاب "خطأ" جديد بعد "تجربتها اللبنانية" السابقة. ولا ظروف القاهرة تسمح لها بجمع اللبنانيّين، والإصغاء إلى ما لديهم حول "الميثاقيّة" و"التأسيسيّة" والكبّة النيّة...

 

الياس الديري