هكذا ينظر الحكّام العرب إلى شعوبهم: مكوّنات مذهبيّة، تحمل معتقدات دينيّة تعود بالجنس البشري إلى المرحلة التي انتقل فيها من الخلفية الوثنية التي كانت من نتاج فكره وخياله قبل الفيات، إلى الخلفيّة السماوية لمّا جاء قرار من فوق ينبئ الإنسان أن هناك إلهاً واحداً، لا تعدّد آلهة، وأُرفق القرار بشروط وواجبات على المؤمن التزامها وإلّا... وقد ذكّرت كثيراً بخوف غلّف التجربة الإنسانيّة الوثنيّة.
كل هذا رافق توالي أديان ثلاثة: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، دُعيت أدياناً ابرهيمية نسبة إلى ابرهيم الذي أمره الإله بذبح ابنه برهاناً لحبّه وولائه لذاك الإله الذي عاد وأشفق على الصبي الذاهب إلى الذبح، فأرسل خروفاً صغيراً افتداه، وقد كان الخروف أول وآخر شهيد حب في شرقنا الأوسط... ولا تسل عن مصير خرافنا منذ ذاك الزمان!
من داخل الداخل، لمّا أنت إنسان عاقل، لا بدّ أن يستفيق منك سؤال: من أنا وما هو مصيري في كون متجدّد باستمرار، يضبط حركته نظام لا يخطئ، مبني على طاقة تعمل على تطوير قدرة الإدراك البشري الذي يقود الى وعي يرافق التقدّم العلمي – التكنولوجي الذي يبلغه الإنسان على مراحل. ونعجز في العالم العربي عن التقاط ذبذبات وعي جديد تبثّها الطاقة الكونيّة في مواعيدها، ونحصر اهتمامنا في المشهد الخارجي لصفحات الحياة.
"وتحسب انك جرم صغير وفيه انطوى العالم الأكبر" حكمة تحمل معرفة جوهرية عميقة في فلسفة الوجود، قالها الشريف الرضي، وما لفت معناها إدراك من عاصره قبل ألف وأربعمئة عام، ولا من أتى بعده. وقبل الشريف الرضي، أما قال السيد المسيح لتلاميذه: أنا والآب واحد، وأنا فيكم وأنتم فيّ. وقد قال أيضاً: ملكوت السماوات في داخلكم. وقد قال أفلاطون أيضاً لتلاميذه: "المعرفة تذكّر"، فالمعرفة هاجعة في ذاكرتنا حتى تستفيق على مراحل، فنحن من تلك الطاقة الكاملة التي خرجت منها الأكوان بمن عليها.
لسنا مكوّنات مذهبيّة يا شعوب ويا حكّام العرب، فتوقّفوا عن التجارة بالدين كما أسلافكم من قبل. ها أنتم قد أحلتم اليوم شرق أوسطنا دماراً شاملاً باسم المذاهب بعدما وقعتم جميعاً فريسة الخديعة الصهيونية للمرّة الألف. وتوقفوا عن إلهاء شباب المستقبل بحوارات أديان وغير أديان لا تعكس فكراً متطوّراً بل نهجاً قديماً تحجّر على مرّ العصور.
وفي لبنان بالتحديد، ليس بينكم يا أهل الحكم، من يمكنه الادّعاء أنّه يمثّل مطلق "مكوّن مذهبي" في مجتمع مفكك، لا من يطمح منكم إلى رئاسة جمهوريّة زالت، أو إلى رئاسة مجلس تنفيذي فاشل على مرّ تاريخه القديم والجديد، أو إلى رئاسة مجلس تشريعي ما شرّع مرّة ما يغيّر مصيراً قاتماً بلغناه أخيراً. لا شيء يجمع بيننا بعدما أحلتم الوطن مزبلة نتنة جراثيمها أرحم من أطماعكم التي لا حدود لإجرامها... ولا تخجلون.
حياة أبو فاضل