أثارت التصريحات الاخيرة للرئيس رجب طيب اردوغان في شأن الموصل تساؤلات جدية عما اذا كان امن شمال العراق صار على جدول مهمات انقرة في وقت وضعت واشنطن ملف المدينة العراقية على طاولة المفاوضات؟ وعما ما اذا كان الجيش التركي سيكرر في الموصل العراقية ما فعله في جرابلس السورية ؟
وكان الرئيس التركي صرح بعد عودته من اجتماعات قمة مجموعة العشرين في هانغتشو أن "العمل الذي نقوم به اليوم (عملية درع الفرات في شمال سوريا)، هو تنفيذ مشروع منطقي جدا، اقترحناه منذ أعوام على الدول الحليفة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهذه العملية أرضت الشعب السوري لكن المنظمات الإرهابية امتعضت منها، هذا يعني أننا على الطريق الصحيح". وأعرب عن اعتقاده بأن "العراق بحاجة إلى عمل مشابه، فحل مشكلة الموصل (الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش منذ صيف 2014)، يمر عبر الإصغاء إلى المنظور العقلاني لتركيا في ما يتعلق بالمنطقة". وأضاف أن بلاده ستضطلع بدور نشط في الموصل. وقد دعم تصريح أردوغان ما قاله وزيره الخارجية مولود تشاوش أوغلو، من أن الأمر سيستغرق برنامجا لتدريب القوات المحلية وتجهيزها هي ومجموعة من القوات الخاصة لهزيمة "داعش" في الموصل والرقة.
وعلى الاثر انشغلت وسائل الاعلام التركية وتلك الغربية والعربية المعنية بالشأن العراقي في تفسير هذه التصريحات واستخلاص مكنوناتها ومدى جديتها لاسيما ان المسؤولين في انقرة لا ينفكون يؤكّدون اهتمامهم بقضية الموصل. فهولاء لا يفوتون مناسبة إلا يكررون فيها ان "ولاية الموصل كانت أرضا تركية" وتركت للعراق بقرار من عصبة الأمم سنة 1925، بعد انهيار الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية. وعلى رغم انطواء تلك الصفحة من الجدل العراقي التركي، فان انقرة ظلت تنظر الى الموصل وملحقاتها،على انها امتداد عثمانيّ للدولة التركية، ألحقته الارادة الدولية الاقوى منها، حينذاك، بالعراق. وعندما زار احمد داود اوغلو الموصل كوزير للخارجية التركية عام 2011 صرح بالفم الملآن "في يوم من الأيام دخل أجدادنا هذه المنطقة وهم يركبون الخيول، وسيأتي يوم نعود نحن إلى هذه المنطقة ولكن بمعدات حديثة". وهكذا فإن أنقرة تعود إلى دفاترها العتيقة لتكتشف أن "لها أرضا هناك" حان الوقت لاسترداد ما تعتبر انه حق لها، فالفرصة سانحة والعراق منهك والأكراد في وضع متأرجح بعد العملية التركية في شمال سوريا.
اكثر من ذلك فإن الصحافي التركي أمين بازارجي كتب مقالا في صحيفة "اقشام" نقلته وكالة "ترك برس"، ذكر فيه بأنه حتى نهاية الثمانينيات كانت حصة من عائدات نفط الموصل تدخل في موازنة الجمهورية التركية، وكانت هذه الحصة من البترول وفقا لاتفاق لوزان.
ويضيف "ان تركيا كانت بمثابة كفيل في الموصل، ففي 5 حزيران 1926 جرى توقيع "معاهدة أنقرة" بين تركيا وبين بريطانيا، التي كانت الدولة المنتدبة على العراق، وتنص هذه المعاهدة على ان:
1- تترك ولاية الموصل للعراق.
2- تعطى للدولة التركية حق حماية أبناء جنسها (التركمان) في الموصل، اي انها لها حق الكفالة.
وتاليا كنا أصحاب حق حتى مساحة 90 كيلومتر مربع من الموصل وحتى مدينة كركوك ومناطق التركمان، ووفقا للاتفاق فلنا الحق في التدخل في حالة تعرض أمن مناطق أبناء جلدتنا لأي تهديد".
وبناء على هذا الاتفاق يرى ان لتركيا الآن الحق في التدخل في الموصل:
"1- لأن تنظيم داعش المستوطن في الموصل ممكن أن يتسلل إلى تركيا وينفذ أعمالا إرهابية.
2 - لأن حزب العمال الكردستاني الموجود في محيط الموصل يمكن ان يتسلل الى الحدود التركية القريبة لتنفيذ بهجمات إرهابية.
3- لأن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي تركيا الحق بالتدخل في الموصل مثلما تدخلت تركيا بسوريا بعملية درع الفرات".
ويذكر ايضا انه بعد الغزو الاميركي للعراق كانت هناك خطط لوضع الموصل وكركوك تحت إدارة اقليم كردستان، لكن تركيا اجهضت هذه المخططات بتهديدها باستعمال حقها بالتدخل حسب معاهدة أنقرة.
وفي اي حال فإن تركيا التي يجمع بينها وبين الحزب الديموقرطي الكردستاني الحاكم في اربيل العداء لحزب العمال الكردستاني وتقيم علاقات وطيدة مع حكومة اقليم كردستان العراق والبشمركة فيه، استدعت رئيس الاقليم مسعود البارزاني الى انقرة للبحث في ملفين اساسيين اولهما مشكلة حزب العمال في شمال سوريا وثانيهما ملف الموصل. وقال البارزاني لتركيا بعد اللقاء: "هيا تعالوا للإقليم لنتحرك معا".
ومعلوم ان البارزاني يعاني من حصار اقتصادي من الحكومة المركزية في بغداد، ومن خلافات مستمرة مع الاتحاد الوطني الكردستاني ومع حركة التغيير في السليمانية، إلى سيطرة حزب العمال الكردستاني على أجزاء من أراضي الإقليم منها أطراف جبل قنديل وكذلك المناطق الواقعة شمال وجنوب ناحية ربيعة العراقية الحدودية وصولا إلى مناطق سنجار وكذلك الشريط الحدودي مع سوريا وهذه المنطقة في حقيقة الأمر خارج سيطرة سلطة كردستان مما يعني أن البارزاني قد طلب من الجانب التركي إيجاد حل في شان وجود هذه الفصائل المسلحة والتي تعني الموافقة الضمنية عند حدوث تدخل تركي في شمال غرب الأراضي العراقية ومنها مناطق الموصل.
الى ذلك، كانت زيارة الحليف العراقي الابرز لتركيا رئيس ائتلاف "متحدون" أسامة النجيفي للعاصمة التركية أكبر دليل على تيقنه بأن الأتراك في إمكانهم الاضطلاع بدور أكبر في مسألة تحرير الموصل. ومعلوم أن الزعامات الموصلية ومنهم ائتلاف متحدون لا يقبلون بمشاركة الحشد الشعبي المدعوم من إيران في عمليات تحرير الموصل بسبب اتهامهم افراد الحشد بتنفيذ انتهاكات في المدن والبلدات ذات الغالبية السنّية التي دخلوها مع القوات العراقية. ويفضلون القوات التركية والبشمركة التالبعة للبارزاني على قوات الحشد.
ولتركيا اصلا معسكر في منطقة بعشيقة المحاذي للموصل يتولى تدريب عراقيين وينفذ هجمات ضد مواقع "داعش".
وفي خضم هذه المعطيات نشطت الحركة الاميركية في اتجاه انقرة، الامر الذي فسّره البعض بأنه استباق لعملية تركية مشتركة من بشمركة البارزاني وانصار النجيفي في الموصل التي تسبح على بحيرة من النفط ويعمل فيها شركات أميركية، فهل تترك أميركا هذه الحصة الدسمة لغيرها؟
وفي اي حال فإن العمليات العسكرية المقبلة في الموصل وفي الرقة ستساهم في تحديد مستقبل سوريا والعراق، لا سيما أن الحملة على تنظيم "داعش" بلغت مرحلة حاسمة فهل تقف تركيا متفرجة ام تشارك في السوق لأن الذي يغيب عنه لا يبيع ولا يشتري. والارجح ان المنطقة ستشهد في غضون الايام المقبلة المزيد من التطورات الاستراتيجية في المنطقة خصوصا أن واشنطن تبحث عن مخرج من المشكلة العراقية لا سيما قضية الموصل قبل بدء الانتخابات الاميركية وسعي الديمقراطيين إلى الاحتفاظ بالمكتب البيضوي من جديد. وعليه فإن المفاوضات بين تركيا والولايات المتحدة في هذا الشأن ستكون بالغة الأهمية، مع الاخذ في الاعتبار ان التحديات لن تكون سهلة ابدا ايضا.
أمين قمورية.