وسط جمود المحركات السياسية الذي يطبع الفترة الحالية في لبنان ويرحّل البحث عن مخرجٍ للأزمة الحكومية الناشئة عن مقاطعة "التيار الوطني الحر" لجلسات مجلس الوزراء، بدا لافتاً في الساعات الأخيرة ان منسوب الخشية من إخفاق المحاولات لاحتواء الأزمة قد زاد نظراً الى مجموعة معطيات عدّدتها مصادر مطلعة ومتابعة لمجريات هذه الأزمة.
وتقول هذه المصادر «ان ما يطلقه التيار الحر» من مواقف تصاعدية توحي بأنّ تَحرُّكه هذه السنة الذي بدأ على خلفية التعيينات العسكرية والتمديد للأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع في احدى جلسات مجلس الوزراء ومن ثم التحضير لخطوة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي المتوقَّعة قريباً سيكون مختلفاً عن التحرك المماثل الذي قام به العام الماضي وبات أمراً جدياً يتعين النظر اليه بغير الحسابات التي تقلل من أهميته.
وبحسب المصادر فان التيار «يقف بوضوح أمام حساباتٍ رئاسية وسياسية مختلفة جعلتْه يتجاوز مسألة التمديد التي يرفضها الى طرْح الأزمة من بابٍ عريض يتّصل بالمشاركة في الحكم وعنوان الميثاقية، دافعاً بقوة بالأزمة في وجه مختلف الأفرقاء نظراً الى إدراكه ان عامل الوقت لم يعد لمصلحته إطلاقاً فيما لو استمرّت الأزمة الرئاسية عالقة من دون أفقٍ مع مراوحة الحوار في مكانه. علماً ان الدخول في العدّ العكسي للانتخابات النيابية مع مطلع السنة الجديدة من دون حسْم الأزمة الرئاسية، قد يقضي على امكانات انتخاب رئيس الجمهورية وفق المعطيات التي تُبقي فرص العماد عون راجحة لمصلحته».
وتبعاً لذلك تضيف المصادر نفسها فان «التيار الوطني الحر» لا يزال يبدي تفاؤلاً لافتاً في إمكان استمالة الرئيس سعد الحريري الى تأييد العماد عون رغم كل ما يثار عكس ذلك، بدليل ما صرّح به الوزير السابق سليم جريصاتي الوثيق الصلة بالعماد عون في حديثٍ تلفزيوني ليل الاثنين من ان الأخير (عون) يشترط لانتخابه ان يكون المكوّن السنّي الأساسي الذي يمثّله الرئيس الحريري هو من ناخبيه الأساسيين إنفاذاً لمبدأ الميثاقية الذي يرفع لواءه. ولوحظ ان جريصاتي شدّد على حرص فريقه على عودة زعيم «تيار المستقبل» الى لبنان والتمسك باعتباره القوة السنية الاولى في البلاد.
وأياً تكن طبيعة هذه الحسابات العونية حيال الحريري، فإن المصادر تشير الى ان الأسابيع الثلاثة المقبلة ستشهد على الأرجح رفع وتيرة عرْض القوى العونيّ الى ذروته. علماً ان احدى محطات هذه الأجندة التصاعُدية تمثّلت ليل الاثنين في المهرجان الذي أقامه «التيار الحر» في بلدة غزير الكسروانية بما اعتُبر رداً حاسماً على الرهانات على ضعف التيار بعد الانشقاقات وعمليات الفصل التي حصلت داخل صفوفه منذ ان تسلّم رئاسته وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون). وقد تجلّى هذا البُعد بانضمام ثلاثة آلاف شخص جدد الى صفوف التيار أعلن أمامهم باسيل ان «التيار الحر هو حارس الميثاق وفخر للبنان ان يكون فيه تيار يحارب الوصاية وحيداً وان يقاتل الاحتلال وحيداً في بيئته»، مؤكداً «لا جمهورية من دون ميثاقية ولا رئيس من دون ميثاقية ولا قانون انتخاب من دون ميثاقية ولا رئيس مجلس نواب من دون ميثاقية ولا رئيس حكومة من دون ميثاقية».
اما المحطات التالية في هذا المسار، فتقول المصادر عيْنها إن أبرزها ستكون في محطتين مفصليتين حددهما التيار العوني وهما: الاولى في الجلسة 45 لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية في 28 سبتمبر الجاري والتي يرصدها التيار من زاوية استكشاف ما اذا كان تحرُّكه التصاعدي قد أحدث عاملاً جديداً في مسار الأزمة ام لا. والمحطة الثانية هي في 13 اكتوبر المقبل وهو الموعد الأكثر رمزية لتتويج تحرك التيار ووصوله الى ذروته، باعتبار انها ذكرى العملية العسكرية التي أطاحت الحكومة العسكرية برئاسة العماد عون العام 1990 والتي غالباً ما يطلق منها العماد عون أبرز اتجاهاته ومواقفه.
الراي الكويتية