في المحطات المفصلية والمصيرية في تاريخ لبنان، كان لبركي دوماً دور فاعل وكلمة حاسمة وحازمة تقولها بدافع من ضميرها الحي فاستحقت أن يعطى لها مجد لبنان. ولم تتأثر هذه الكلمة يوماً برفض من داخل أو من خارج. ولم تكن تكتفي أحياناً برفع الصوت بل برفع العصا. فالبطريرك بولس مسعد عارض حركة يوسف بك كرم وشرح الأسباب في رسالة الى الكرسي الرسولي. والبطريرك الياس الحويك كان له فضل إقامة لبنان الكبير على رغم اعتراض المعترضين. والبطريرك انطون عريضة وقف مع استقلال لبنان ولم يذهب بعاطفته مع فرنسا كونها "الام الحنون" للموارنة لأن الولاء للبنان السيد الحر المستقل يتقدم أي ولاء، إلا أنه قال ليسمع الانكليز الذين كانوا في صراع على النفوذ مع فرنسا: "إننا نريد الاستقلال تاماً ناجزاً ونرفض إبدال انتداب بانتداب". والبطريرك الكاردينال بولس المعوشي لم يقف مع "حلف بغداد" عندما وقف معه الرئيس كميل شمعون حرصاً منه على الوحدة الداخلية ومنعاً للإنقسام بين من هم مع "التيار الناصري" ومن هم ضده، ولم يتزحزح قيد انملة عن موقفه هذا فلقّبه مسيحيون متشددون "محمد المعوشي" عندما أدى مسلمون الصلاة في بكركي. وتحمّل البطريرك الكاردينال نصرالله صفير مسؤولية موافقته على اتفاق الطائف على رغم معارضة زعماء موارنة بارزين أمثال العميد الراحل ريمون اده والعماد ميشال عون لأن من كانوا مع هذا الاتفاق خيّروه بين القبول به أو عودة المدفع... وتحمّل أيضاً مسؤولية الدعوة الى مقاطعة انتخابات 1992 لأنها تجرى في ظل وجود عسكري سوري وصف بالاحتلال، وفي ظل قانون لا يؤمن التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب، ففاز نواب بـ45 أو 135 صوتاً، ومع ذلك اعترفت الوصاية السورية بشرعية ذاك المجلس، حتى أن السفير الاميركي في لبنان حضر أول جلسة عقدها المجلس لتأكيد الاعتراف به. وهذا يثبت أن أميركا كانت وراء اتفاق الطائف، وشاركت في حض النواب على الذهاب الى الطائف، وكانت في الوقت عينه تحض على مقاطعة الانتخابات النيابية وذلك في لعبة سياسية مزدوجة صارت أميركا تجيد ممارستها... وتحمّل البطريرك صفير مرة أخرى مسؤولية النداء الشهير الذي صدر عن بكركي ودعا الى انسحاب القوات السورية من لبنان تنفيذاً لاتفاق الطائف. وقد استجاب عدد كبير من الزعماء المسيحيين هذا النداء واخذوا يعقدون اللقاءات التي عرفت بلقاءات "قرنة شهوان"، وكلفت بكركي المطران يوسف بشارة رئاسة تلك اللقاءات لتأكيد رعايتها لها، لكنها لم تستطع تحقيق أهداف نداء بكركي إلا بعد انضمام زعماء مسلمين اليها في اجتماع البريستول بحضور ممثلين عن الرئيس رفيق الحريري، وكان ذاك الاجتماع بداية انطلاق "ثورة الارز" التي اخرجت القوات السورية من لبنان وعلى أمل أن يستعيد لبنان استقلاله وسيادته وحريته، لكن ذلك لم يتحقق إلا جزئياً بسبب وجود سلاح "حزب الله" الذي قام بدور البديل من الوصاية السورية.
لذلك مطلوب اليوم من بكركي التي أعطي لها مجد لبنان ولتظل محافظة عليه، ان تدعو القادة الموارنة الى اجتماع يتخذون فيه قراراً واحداً ألا وهو النزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية من دون الدخول في لعبة الاسماء التي كان الدخول فيها خطأ اذ انه أشعل الخلافات بين المرشحين الموارنة فشكّل ذلك جزءاً من أسباب تعطيل انتخاب الرئيس. وعلى بكركي خلال هذا الاجتماع ألا تكتفي بالكلام ولا بهزّ العصا بل أن تضرب بها كل من يخالف قرار النزول الى المجلس لأن الدستور نصّ على ذلك واعطى النائب حق انتخاب من يريد للرئاسة ولم يعطه حق التغيب من دون عذر مشروع، وان تقاطع بكركي كل من يقاطع جلسة الانتخاب لأن استمرار المقاطعة بات يهدد مصير لبنان والجمهورية وليس مصير الرئاسة فحسب.
فهل يقدم البطريرك الكاردينال الراعي والمجتمعون على ذلك، أم يخشى بعضهم زعل هذا الزعيم أو ذاك، وهو ما لم له بكركي من قبل لأن ما يهمها هو ألا يزعل لبنان منها، خصوصاً عندما لا تكون تقف وحدها في ما تتخذ من قرارات مهمة إنما غالبية الزعماء التي تعزل الاقلية المعترضة. فتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية يصبح قاعدة عند كل استحقاق إذا ظل كل نائب يعتبر أن من حقه التغيب عن جلسة الانتخاب ساعة يشاء ومن دون عذر مشروع فتبقى الرئاسة الأولى عندئذ شاغرة الى اجل غير معروف ليفرض أي خارج في النهاية رئيساً يكون في خدمة مصالح هذا الخارج قبل مصلحة لبنان التي تبدأ بتحقيق شعار البطريرك الراعي "شركة ومحبة" لأن كل شركة تحتاج الى محبة كي تنجح، فهل يكون عيد الاضحى المبارك عيد التضحية للبنان وليس التضحية به؟