أكثر من ملياري يورو حوّلها النظام السوري إلى بنك روسي حكومي، كشفت عنها وثيقة مسربة من محكمة أميركية حصل عليها موقع "دايلي دوت" الأميركي، تكشف أيضاً استبعاد وثائق "ويكيليكس" المنشورة عام 2012 لهذه الوثيقة، الأمر الذي ينفيه موقع "ويكيليكس" ويتنصل منه.

ونشر "ديلي دوت" تقريراً يؤكّد فيه أن السجلات الممهورة بختم محكمة مانهاتن الفيدرالية والتي حصل الموقع عليها من مصدر مجهول، توضح بشكل مفصّل كيف قامت مجموعة من قراصنة الإنترنت باختراق شبكات الحكومة السورية عشية اندلاع الحرب الأهلية السورية، وتمكنت من الحصول على رسائل بريدية عن تحويلات بنكية ضخمة كان النظام السوري يجريها على عجل أثناء تطبيق حزمة العقوبات الاقتصادية. ووجدت غالبية الرسائل طريقها إلى قاعدة بيانات "ويكيليكس" بحلول ربيع 2012.

ووفقاً للتقرير عينه  فإن مجموعة بعينها من الرسائل الإلكترونية لم تدخل ضمن الذاكرة المؤقتة للوثائق المنشورة في موقع "ويكيليكس" في تموز/يوليو 2012 تحت اسم "الملفات السورية". وفي حين ينكر موقع "ويكيليكس" حجب الوثائق، يقدر تقرير "ديلي دوت"، أنه تم نقل أكثر من ملياري يورو (2.4 مليار دولار أميركي) من البنك المركزي السوري إلى بنك "في تى بي" الروسي.

ويوضح التقرير أنه بحلول خريف 2011 فقدت الحكومة السورية السيطرة على غالبية شبكات الحاسوب، والتي بدت وكأنها لم  تكن تحت سيطرتها من قبل، وصلت لدرجة "اعتراف" نظام بشار الأسد، الذي تدعمه روسيا حالياً في الحرب المستمرة، إعلان سيطرة أحد قراصنة الإنترنت على "جميع بروتوكولات الإنترنت" في البلد. وقد أعلن قرصان إنترنت في إحدى غرف الدردشة، أثناء حديثه لزملائه من أعضاء مجموعة تطلق على نفسها اسم RevoluSec من المناضلين الإلكترونيين الداعمين للثورة الذين نفذوا العديد من الهجمات الإلكترونية المتطورة ضد الحكومة السورية لمدة عام تقريباً، قائلاً "لقد استطعنا بشكل أساسي، الوصول عدة مرات للمحولات الداخلية للبوابة الرئيسية للاتصالات في سوريا، وإلى حد ما البنية التحتية للهاتف، وربما التلفاز أيضاً".

وفي مقابلة سابقة مع قناة "الجزيرة"، نُشرت في أيلول/سبتمبر 2011، قال أحد ممثلي RevoluSec: "حتى أكون أميناً فإن المناضلين ظلوا لمدة عام يحاولون القرصنة"، مضيفاً: "لكن التركيز الشديد كان في البحث على نقاط الضعف، وعندما كسرت، كانت هائلة". وحول المستوى المهاري لأعضاء RevoluSec قال:"لدينا فريق عمل على مستوى عالٍ من المعرفة، وهم أشخاص بارعون في مجالهم. على عكس ما يبدو حال إدارة النظام في سوريا. لقد كان أمنهم الإلكتروني مهلهلاً، ما يسمح لأي شخص يبحث بجد عن نقاط الضعف أن يجد ما يريد".

وتكشف أكثر من 500 صفحة من الوثائق المختومة، عن تفاصيل غير عادية، لقدرة عدد من النشطاء السيطرة شبه الكاملة على شبكة الإنترنت السورية وتسخير هذه السلطة لوضع الرقابة طوال الوقت على العديد من قيادات وزارات الدولة. كما تراكمت السجلات المسربة بين يدي الحكومة الأميركية أثناء التحقيق في قضية جوليان أسانج، مؤسس موقع "ويكيليكس"، والقراصنة التابعين له حول العالم، فيما أكد فريق RevoluSec أنه مصدر "ملفات سوريا" والتي بلغ عددها مليوني رسالة إلكترونية تخص الحكومة السورية نُشرت في موقع "ويكيليكس" نهاية صيف 2012، وتقدم دليلاً أن بعض الرسائل التي اعترضتها RevoluSec لم تجد طريقها إلى قاعدة بيانات "ويكيليكس"، رغم حماس القراصنة لعرضها.

ويقدّم "دايلي دوت" نموذجاً للرسائل التي لم ينشرها "ويكيليكس"، كإحدى الرسائل الالكترونية الموقعة من قبل سالم طوباجي، رئيس الخزانة في البنك المركزي السوري. وتؤرخ الرسالة بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر 2011، لإخطار البنك الروسي "في تي بي" بارتفاع مبلغ الإيداع إلى أكثر من ملياري يورو. كما تضمنت الرسالة الإلكترونية طلباً من جانب طوباجي لمدير بنك "في تي بي" المالي، أندري جالكن، فتح حساب "بالروبل الروسي".

والحال فإن الوثائق التي وصلت "ويكيليكس" تمثّل جزءاً ضئيلاً من "ملفات سوريا"، والذي يشمل اليوم 5 أشهر إضافية من الرسائل الإلكترونية الجديرة بالاهتمام. وفي مرحلة ما بعد آذار/مارس 2012، مررت مجموعة RevoluSec أو أحد أعضائها دفعة أكبر من ملفات البريد الإلكتروني الاحتياطية. لكن الأهم من ذلك هو أنه يُفترض أن "ملفات سوريا" لا تزال تحوي رسالة البنك المركزي المؤرخة بتاريخ  26 تشرين الأول/أكتوبر 2011 في ما يتعلق بالتحويلات المالية من سوريا إلى بنك موسكو.

"ويكيليكس" نشررسائل إلكترونية عديدة مستلمة من قبل نفس البريد الإلكتروني (treasury@bcs.gov.sy) منذ ذلك اليوم. غير أن ما تم تسريبه من سجلات المحكمة لموقع "ديلي دوت" يكشف أن رسائل بنك موسكو الإلكترونية كانت في الواقع جزءاً من ملف احتياطي أكبر يشمل العديد من الرسائل الإلكترونية الموجودة حالياً في موقع "ويكيليكس". وإحدى هذه الرسائل مثلاً نوقشت بعمق من قبل أعضاء RevoluSec لمدة تجاوزت التسعة أشهرقبل أن تنشرها "ويكيليكس"، وهي تشرح نقل 5 ملايين يورو من بنك فرانكفورت في ألمانيا إلى البنك المركزي في النمسا، والمرسل إليه طبقاً للرسالة هو البنك المركزي السوري.

وأشار "دايلي دوت" إنه بناءً على طلب من مصدر مطلع من أعضاء RevoluSec، فقد قرر الموقع عدم نشر الوثائق المتعلقة بالمجنوعة في الوقت الحالي لإبعاد الشبهات عن القراصنة الذين يمكن التعرف إليهم، حيث يمكن أن يعتقلوا أو يصابوا بأذى في بلدانهم، والتي من بينها اليمن وسوريا. ونقل الموقع عن أحد القراصنة الذين تواصل معهم قوله "آمل آلا يقتلني الروس" مضيفاً "أخشى روسيا أكثر من خشيتي بشار".

من جانب آخر، توجّه "دايلي دوت" إلى "ويكيليكس" للوقوف عند تعليقها على ما جاء في الوثيقة الأميركية التي حصل عليها "دايلي دوت"، فكان جواب المنظمة أن "الحساب المشار إليه وهمي". وقال متحدث باسم المنظمة: "لقد شمل النشر رسائل عديدة تشير للعلاقات بين سوريا وروسيا. ومن سياستنا على المدى البعيد رفض التعليق على المصادر المزعومة. ومن المخيب لآمالنا أن نرى موقع ديلي دوت ينشط لصالح حملة هيلاري كلينتون ضمن نظرية المؤامرة للمكارثيين الجدد تجاه الإعلام المعارض". وقد توعدت "ويكيليكس" بالانتقام من مراسلي "دايلي دوت" إذا تابعوا العمل على هذه القصة.