في موازاة المخاوف من عدم قدرة صمود الاتفاق الأميركي ـ الروسي على هدنة جديدة في سوريا بعدما رفضَته «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، والذي من المقرّر أن يبدأ سرَيانه مساء اليوم، تتزايد المخاوف في لبنان من تعميم الفراغ، بعد توقّف الحوار إلى أجلٍ غير مسمّى في ظلّ استمرار شغور موقع الرئاسة الأولى وتعثُّر عمل مجلس النواب، ويترقّب الجميع أن تنشط المشاورات وحركة الاتّصالات السياسية، في قابِل الأيام، لرأبِ الصدع الحكومي واستئناف الحوار. وعُلم في هذا الإطار أنّ سفراء الدول الخمس الكبرى ومنسّقة الأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ سيزورون رئيس الحكومة تمّام سلام العاشرة والنصف قبل ظهرِ الخميس المقبل للتعبير عن دعمِ دولهم للحكومة والحِرص على الاستقرار اللبناني.
أرخت عطلة عيد الأضحى بظلالها على الساحة الداخلية، وانكفأت معها الحركة السياسية لتحضرَ المواقف المتناقضة من الحكومة والحوار. ولم يسجّل أيّ تواصل بين المعنيين للبحثِ في سُبل الخروج من الأزمة، واقتصر بعض الاتصالات على معايدات ومجاملات متبادلة بين بعض المرجعيات والقيادات.

ومواكبةً للاحتفالات المقررة لمناسبة العيد، اتّخَذ الجيش اللبناني تدابيرَ أمنية استثنائية حول دُور العبادة ومحيطها والطرُق الرئيسة وأماكن التسوّق والمؤسسات العامة والمرافق السياحية، والمصالح الأجنبية والعربية، وذلك لطمأنةِ المواطنين والحفاظ على السلامة العامة. وقد شَملت هذه التدابير انتشاراً للعناصر وتسيير دوريّات وإقامة حواجز ثابتة ومتحرّكة وتركيزَ نقاط مراقبة.

الراعي: العاقورة ولاسا

في هذه الأجواء، استأثرَت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى العاقورة أمس، ومطالبتُه وزيرَ المال علي حسن خليل بتصحيح المذكّرة الصادرة عنه، والمتعلّقة بمشاع البلدة، وكذلك مطالبته الدولة اللبنانية بوضعِ حدّ للتعدّي الحاصل في بلدة لاسا على أملاك نيابة جونية البطريركية، باهتمامٍ كبير في الأوساط الشعبيّة والكنَسيّة والسياسيّة المتابِعة لهذه الأزمة.

وقد لفَتت هذه الأوساط إلى أنّ للزيارة أهمّية كبيرة تكمن في ثلاث نقاط:

أوّلاً: توقيتُها لجهة الجدل الدائر حول المذكّرة الصادرة عن وزير المال والمتعلقة بمشاع العاقورة، لمنعِ أيّ التباس حول رفضِ البطريركيّة المارونيّة أيّ تعَدٍ على أراضي المسيحيين في العاقورة و»لاسا».

ثانياً: إيلاءُ البطريرك الماروني أهمّيةً لافتة للموضوع والتأكيد أنّ هذه الأراضي ليست متروكة، وذلك من خلال زيارته العاقورة شخصياً، ومِن خلال نوعيّة الحشد الديبلوماسي والرسمي الذي رافقه، إضافةً إلى فاعليات المنطقة والإكليروس.

ثالثاً: وضعُ قضية «لاسا» في الإطار القانوني، داعياً «الدولة اللبنانية إلى ان تضَع حدّاً للتعدي الحاصل في بلدة لاسا لإكمال أعمال المسح القانوني وتحديد الملكيات وفقاً للمستندات القانونية».

عون

وفي هذا الإطار، قال راعي أبرشية جبَيل للموارنة المطران ميشال عون الذي رافقَ البطريرك الراعي في جولتِه أمس، لـ«الجمهورية»: «صحيح أنّ الزيارة هدفُها رعوي لتفقّدِ الرعايا، وهي كانت مقرَّرة قبل أزمة مشاع العاقورة، إلّا أنّ البطريرك كان كلامه واضحاً في العظة التي ألقاها بأنّه يجب العودة عن قرار وزير المال لأنه ضد القانون، وعندما يتطرّق غبطته إلى هذا الموضوع أمام الإعلام يَعني انّه سيكون له متابعة بالتنسيق مع بلدية العاقورة، ونأمل في أن تكون النتائج إيجابيّة».

وكان الراعي قد جدّد دعوته إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأكّد «أنّ من العار أن يكون لبنان بلا رئيس منذ سنتَين وأكثر من ثلاثة أشهر، فيما الهيكل الوطنيّ يتهدّم فوق رؤوس الجميع».

وقال: نكرّر أنّه لا يوجد أيّ مبرّر لعدمِ انتخاب رئيس منذ 25 ايار 2014، ومن غير المسموح لأحد جعلُ لبنان أرضًا سائبة تسودها الفوضى السياسيّة وينتشر عليها الفساد المالي والأخلاقي، وتتعطّل المؤسّسات الدستورية، ويَفتقر الشعب ويهاجر. فانتخابُ الرئيس هو المدخل لحلّ كلّ القضايا العالقة، وإلّا فالبلاد تستمرّ في حالة تراجع مميت. فمَن يستطيع تحمّلَ مسؤوليّة هذا الخراب؟».

الحريري والمشنوق وريفي

في المواقف البارزة أمس، كشفَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنّه تقدَّم بطلبٍ الى مجلس الوزراء لحلّ «الحزب العربي الديموقراطي» و«حركة التوحيد الإسلامي ـ فرع هاشم منقارة»، منتقِداً «مشهدية التضامن مع سفير جهة متّهمة بارتكاب أحد أكبر التفجيرات منذ الحرب الاهلية اللبنانية»، وذلك في تعليق على زيارة بعض الشخصيات والهيئات السفيرَ السوري في بيروت علي عبد الكريم علي بعدَ صدور القرار الاتّهامي في مسجدَي «التقوى» و«السلام» في طرابلس.

وهنّأ الرئيس سعد الحريري المشنوق على خطوته، وقال في تغريدات له عبرَ «تويتر»: «إنّ مجلس الوزراء مدعوٌّ إلى تحمّلِ مسؤوليته وحلِّ هذين الحزبين لتورّطِهما في التفجيرين الإرهابيين لمسجدَي التقوى والسلام في طرابلس»، معتبراً أنّ «جريمة المشاركة في التفجير أو الامتناع عن إبلاغ السلطات بالمخطط رغم العِلم المسبَق به، تكشف هذين الحزبين كذراع للارهاب الأسَدي في لبنان».

ولفتَ إلى أنّ «كلّ القوى في مجلس الوزراء أمام ساعة حقيقة لإظهار تضامنِها في مواجهة كلّ إرهاب يطال ايّ بقعة من لبنان من دون تمييز طائفي أو مذهبي أو مناطقي». وخَتم الحريري: «نحن عند عهدِنا لطرابلس الحبيبة أنّنا لن نكلَّ قبل سوقِ كلّ مَن سمّاه القرار الاتّهامي للعدالة وإنزال القصاص العادل به، وأنّنا لن نفرّطَ بدماء شهدائنا».

ريفي

وأعلنَ وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، الذي اتّصل بالمشنوق شاكراً له خطوته، أنّه سيَحضر جلسة مجلس الوزراء استثنائياً متى أدرِج قرار حلّ «الحزب العربي الديموقراطي» و«حركة التوحيد - فرع هاشم منقارة» على جدول أعمال أيّ جلسة.

وقال لـ«الجمهورية»: «أنا لن أعودَ عن استقالتي، ولكن طالما إنّ مرسوم قبولها لم يصدر بَعد، فأنا في مكان ما أعتبر أنّني ممتنع عن الحضور الى جلسات مجلس الوزراء ولا أداوم في مكتبي. ولكنّ مشاركتي في تلك الجلسة ستكون استثنائية للدفاع عن حقّ طرابلس وأمنِها، ولكي ينال الشهداء حقّهم، ولأنّ الموضوع يعني أمنَ كلّ لبناني».

وهل يَعتقد أنّ هذه القضية ستَلقى إجماعاً في المجلس للبتّ بها؟ أجاب ريفي: «هي قضية شبيهة بقضية ميشال سماحة، فهناك فريق عاهِر ومجرم ارتكبَ أسوأ ما ارتكب. لقد كانت جريمة تفجير المسجدَين من أفظعِ الجرائم في حقّ الطرابلسيين الشهداء، وسنكون من أشرس المدافعين عن أمننا وأمنِ كلّ لبناني أينما كان، وعن العدالة في لبنان».

باسيل يُصعّد

وفيما الأزمة الحكومية مستمرّة والاتصالات تُراوح مكانها، من دون تسجيل أيّ اختراقات تُذكر، واصَل «حزب الله» تحميلَ السعودية مسؤولية الأزمة في لبنان، معتبراً أنّ حلّها ينحصر في رفعِ الفيتو السعودي عن ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح النائب ميشال عون».

وتتّجه الأنظار إلى المواقف التي سيُعلنها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل خلال احتفال في غزير عصراً، والتي يُرتقب أن تحدّد خريطة تعاطي «التيار» مع المرحلة المقبلة.

وكان باسيل قد قال أمس من البترون إنّ «القضية اليوم ليست تعيينَ ضابط أو قائد جيش، بل أصبحنا في مكان آخَر»، واعتبَر أنّه» ليس بالكلام الجميل نعيش معاً، بل بالممارسة وبتشارُكِ المسؤولية والحمل بالرئاسة والحكومة والتعيينات ومجلس النواب، وإلّا نكون نعيش في كِذبة». وقال: إمّا أن نكون شركاء أو لا نكون، فنحن لسنا موظّفين لديكم، ولسنا عمّالاً بالأجرة أو مواطنين فئة ثانية، وإذا رفضتم رئيسَنا سنرفض رئيسَكم».

واعتبَر أنّ «مَن يريد مصلحة الناس فليسَيِّر مراسيم النفط ومشاريعَ الكهرباء. إذا لم تلتزم مصلحة الناس سنقول إنّ هذه الحكومة غير ميثاقية وسنُسقطها في الشارع». وإذ أكّد باسيل أنّ «التيار» لم يعُد قادراً على التحمّل، حذّر أنّه» إذا نزلنا هذه المرّة إلى الشارع فلن نخرج منه سواءٌ وحدنا أو مع من يحب الانضمام».

«المردة»

في المقابل، أكّد الوزير السابق يوسف سعادة أنّ «التيار الوطني الحر» لم يتشاوَر مع أحد في قضية التعيينات في قيادة الجيش، والمطلوب من باسيل «بعض التواضع وتشاوُر المسيحيين مع بعضهم البعض»، لافتاً إلى أنّ «هناك تباعداً واختلافاً في الرأي مع «التيار الوطني الحر»، وهناك مطالب محِقّة ولكنّنا ضد اللغة الطائفية»، واعتبَر أنّ باسيل «يُدخِلنا في مغامرة طائفية غير محسوبة النتائج».

وعوَّلَ سعادة على رئيس مجلس النواب نبيه برّي «لإيجاد حلول»، وقال: المطلوب أن نجلسَ معاً ونتحاوَر، وكنّا نتمنّى استمرارَ الحكومة وعدمَ الاضطرار إلى البحث عن مخرج لعودة «التيّار الوطني الحر» إليها لاحقاً».

وإذ شدّد على أنّ «رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري لم يتراجَع عن ترشيح النائب سليمان فرنجيّة»، أكّد أنّ فرنجيّة «يكنّ محبّة واحتراماً للعماد عون تحديداً».

متفجّرة كسارة

من جهةٍ ثانية وفي إطار التحقيقات في متفجّرة كسارة-زحلة وبعد اعترافات الموقوفين، أوقفَ الأمن العام الشيخ بسّام الطرّاس لاتّهامه في عملية التفجير، وتجري التحقيقات معه، علماً أنّه مفتٍ سابق في «هيئة العلماء المسلمين» التي سارَعت إلى الاعتراض على توقيفه، وأصدرَت بياناً شديدَ اللهجة ضدّ الأمن العام ودعَته إلى «الإفراج الفوري» عنه، مهدّدةً بملاحقة الأمر قضائياً، وذلك في مشهدٍ يُعيد إلى الذاكرة عملية توقيف شادي المولوي.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الطرّاس الذي كان مفتياً سابقاً لراشيا اعترَف بارتباطه بالشبكة الموقوفة وقيامِه بدور أساسي في تكوينها ، كذلك اعترَف بأنّه جنَّد رأسَ الشبكة التي نفّذت الاعتداء الإرهابي وأمَّن تواصله مع الإرهابي «أبو البراء» وأوعزَ إليه تنفيذ كلّ ما يطلبه منه.

إشكال في حصروت

وليلَ أمس، شهدَت بلدة حصروت إشكالاً بين أبناء رئيس البلدية المحامي طارق الخطيب وأبناء المؤهّل محمد مصطفى ابراهيم أحدِ حرّاس منزل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، في بلدته داريّا في إقليم الخروب، تطوَّر إلى اشتباك بالعصيّ، أصيبَ بنتيجته المؤهّل ابراهيم وشقيقُه شكيب برضوضٍ مختلفة.

وعبَّر اللواء بصبوص عبر «الجمهورية» عن استيائه مِن زجّ اسمِه في الحادث، موضحاً أنّ هذا الحادث وقعَ على خلفيّات انتخابية ومحلّية، وستُتّخذ التدابير التي يقول بها القانون، مؤكّداً أنّ قوّةً مِن الجيش تعمل على تطويقه.

من جهته، أكّد الخطيب لـ«الجمهورية» أن «لا علاقة للّواء بصبوص بالحادث، عِلماً أنّ المعتدي من أقاربنا»، مبدِياً أسفَه للحادث، ومتمنّياً أن تُتّخذ التدابير التي تكفَل وقفَ الممارسات الشاذة.