مؤسف هذا الانزلاق السهل الى متاهات وجدالات لا نفع منها سوى المزيد من فضح عمق الازمة التي يعانيها لبنان، ليس بسبب نظامه ودستوره كما يدعي البعض، بل بسبب فساد الذين يحكمون ويتجاوزون الدستور، ويسخرون القوانين لمصالحهم ولمصالح ارتباطاتهم الخارجية.
الكلام في الايام الاخيرة عن المؤتمر التأسيسي اضاعة للوقت في حلقة مفرغة. فالذي طرح المشروع من جديد لا يقوى على دفع الفكرة قدماً، بل ربما كانت مجرد طرح خطر في باله. ولا يستحق الامر كل هذه الردود المتبادلة والمتشنجة. فالمؤتمر التأسيسي طرحه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله. وما لبث ان تراجع عن فكرة من عشرات الافكار التي تطرح باستمرار، عندما وجد ان صداها كان سيئاً، وان المشروع عوض ان يكون باباً للحل تحول ازمة جديدة. وقد أكد الشيخ نعيم قاسم التراجع عن الفكرة قبل أيام، لأن لا اجماع وطنياً عليها.
والواقع ان "حزب الله" بجبروته وتعاظم قوته، ليس أقوى مما كانت "القوات اللبنانية" في أيام عزها خلال الحرب، وليس أكثر تنظيماً. و"القوات" لم تتمكن من فتح مطار حالات لان فريقاً أساسياً في البلد كان يعارض الفكرة.
والتاريخ واحد، ويتكرر، ولا يمكن "حزب الله" ان يأخذ البلد الى مؤتمر تأسيسي في ظل معارضة اكثرية البلد. والمؤتمر هذا راهناً، هو تأسيس لحرب اهلية جديدة، يدرك الحزب خطورتها أكثر من غيره، لانها تتجاوز الحرب التقليدية التي يخوضها مع عدو، فهي فتنة داخلية، ومذهبية سنية - شيعية، اذ ان الاحتقان السني يكاد يتجاوز نظيره المسيحي. فتقاسم الحصص في مؤتمر تأسيسي ليس سهلاً، لانه يرسم مرحلة مستقبلية لا يمكن القيام بها بسبب فقدان التوازنات في البلد وفي المنطقة، ويحتاج الى توافق غير متوافر حالياً ولا يمكن فريق ان يفرضه على الاخرين مهما ساءت الظروف.
والفتنة لا تحتاج الى سعد الحريري الذي هو ضمان الاعتدال وامثاله، بل تتطلب فتيلا صغيرا يشعل نحو مليوني لاجئ سوري وفلسطيني سني، وينضم اليهم سنة لبنانيون مؤيدون، لمواجهة الحزب ومحاصرته. وعبثاً تنفع القوة العسكرية، والمؤازرة الامنية في حرب العصابات التي تبدأ ولا تنتهي، ويمكن ان تدخل على خطها عشرات أجهزة الاستخبارات التي تتحيّن عن الفرص للانتقام من "حزب الله".
لذا فان الظروف غير مهيأة لمؤتمر تأسيسي أو لغيره، ولو كانت الامور تدار بهذه الطريقة لأمكن الحزب ايصال مرشحه الى رئاسة الجمهورية أو غير ذلك من المشاريع العالقة. البلد كله معلق ومعطل في انتظار التوافقات.