يحيى المثقفون الإيرانيون اليوم ذكرى آية الله السيد الطالقاني، ثاني أكبر قياديي الثورة الإيرانية التي انتصرت في العام 1979 وأنهت النظام البهلوي المستبد، بعد خمسين عاماً من حكمه.
ولد الطالقاني، في العام 1903 في بلدة طالقان القريبة من طهران. درس في الحوزة العلمية بقم على يد عبد الكريم الحائري، مؤسس تلك الحوزة، والسيد أبو الحسن الإصفهاني حتى نال مرتبة الاجتهاد، وفي غضون الحرب العالمية الثانية التحق بالحركة الوطنية الإيرانية واصبح من القادة الوطنيين المتدينين الإيرانيين.
قام الطالقاني في وقت مبكر بالعمل النضالي ضد الاستبداد، وكانت حركته السياسية سابقة على الانتفاضة التي أطلقها الأمام الخميني في العام 1962 والتحق الطالقاني بتلك الانتقاضة وتموضع تحت قيادة الخميني وبقي معه إلى نهاية حياته.
ما يميز الطالقاني عن بقية قياديي الثورة الإيرانية وبقية رجال الدين هو معرفته المبكرة بجذور الأزمة السياسية في إيران والتي تعود إلى ثقافة الاستبداد السائد على العقلية الإيرانية خلال حكم الملوك الذين حكموا إيران لآلاف من السنين.
وفي مقاربته لعلاج داء الاستبداد التجأ النائيني إلى إحياء تراث الإمام الشيخ محمد حسين النائيني (1887- 1945) الذي قدّم تنظيراً دينياً رائعا للدولة الدستورية.
وإذا يصح لنا أن نتحدث عن النائينية كحركة فكرية انطلقت من رسالة تنبیه الامة وتنزیه الملّة وتأطرت في نظرية النائيني الدستورية، واستمرت فيما بعد عبر تأثر مفكرين آخرين بفكره ونظريته، يجب أن نعطي أهمية خاصة للسيد محمود الطالقاني.
إن الطالقاني هو أول من بادر إلى إحياء المبادئ النائينية بعد أكثر من خمسة عقود من إصدار كتابه وكانت الدولة البهلوية حينذاك، تتمتع بالقوة وسائرة على خطى التحديث والتنمية الاقتصادية وفق المبادئ الغربية بفارق كبير وهو أن هذه الدولة لم تكن تكترث بمتطلبات التنمية والحداثة السياسية وكانت ترى بأنها تتمكن من الارتقاء إلى موقع متقدم في مجال التحديث من دون الحاجة إلى التقدم في مجال الحداثة.
إن إعادة طباعة كتاب تنبیه الامة وتنزیه الملّة للمرة الثالثة بعد خمس واربعين سنة من الطبعة الأولى، يشير الى أن آراء النائيني حول ضرورة تقويض جذور الاستبداد أو تقييده، لاتزال تحظى بالأهمية والقبول والمصداقية ويبدو أن الطالقاني الذي كان من الوجوه البارزة في المعارضة السياسية والفكرية للنظام البهلوي لم يجد نصاً في هذا المجال يعادل هذا الكتاب ولهذا أقدم على إحيائه وإعادته الى الساحة الفكرية السياسية فلهذا كتب ملاحظاته وتعليقاته في هامش الكتاب، مع مقدمة مفصلة.
يقول السيد عزالدين الزنجاني عالم دين شيعي معاصر وابن السيد محمود – إمام جمعة مدينة زنجان الإيرانية وتلميذ النائيني وهو الذي ينقل عنه الطالقاني في مقدمته على تنبيه الأمة قوله بأن هذا الكتاب من كرامات ائمتنا – يقول إن والده كان يتأسف على مهجورية هذا الكتاب إلى أن قام الطالقاني بزيارته ووعده بأنه مصمم على إعادة طباعة الكتاب مع توضيحات أضافها عليه وبعد طباعة وتوزيع الكتاب، بفترة قصيرة جاء السيد الطالقاني ليبشر والدي المرحوم (السيد محمود) بأن أغلب الطلاب الجامعيين الذين كانوا يعانون من الاستبداد ويحتجون على صمت العلماء ووضعهم اليد على اليد حيال النظام الاستبدادي البهلوي، تغيرت نظرتهم الى علماء الشيعة بعد طباعة هذا الكتاب وأدركوا وانتبهوا بأن كبار علماء الشيعة قاموا بمثل هكذا أعمال ولكن محاولاتهم باءت بالفشل نتيجة عدم الوعي عند الناس.
كما أن مقاربة النائيني حول الاستبداد، كانت واحدة من مرتكزات لائحة دفاع مهندس مهدي بازركان، المقرب جداً من الطالقاني، وأحد القادة السياسيين الوطنيين في إيران (وأول رئيس للوزراء بعد الثورة الإيرانية) الذي القاه اثناء محاكمته في إحدى المحاكم العسكرية عام 1963 م. كرّر بازركان في لائحته الدفاعية نفس اسلوب النائيني الاستدلالي، وصرح بأن دولة الفرد المستبد تعني عبودية الإنسان الذي يوجد تحت سلطة تلك الدولة في حين أن الإنسان يجب أن لايكون إلّا عبداً لله فقط وهذا يعني أن القبول بالدولة المستبدة الخضوع لها مساوٍ للشرك تماماً.
بعد انتصار الثورة الإيرانية حاول الطالقاني إدخال المفاهيم والمبادئ المناهضة للاستبداد في الدستور ونجح فعلا في إدخال مبدأ الشورى فيه، ولكنه وافته المنية قبل إكمال المشوار الدستوري في العام 1980 وترك الرجل إرثاً زاخراً من الأفكار المتقدمة في مجال السياسيات والإسلاميات ويُعدّ تفسيره " قبسات من القرآن" من أروع التفاسير الحديثة، وسوف بعض نتناول آراءه المتقدمة في تفسير القرآن.