سيطر المتطرفون على الشارع المسيحي وكانت الأحزاب المارونية أداة هذه السيطرة التي اتسعت لتستضيف النخبة الواعية وتحت رعاية مباشرة من المؤسسة الدينية التي اعتبرت لبنان رعية يجب الحفاظ عليه ككيان خاص مملوك لصالح سلطة منتدبة من قبل فريّسي سايكس – بيكو .
لذا ابنى هيكل الدولة على أسس طائفية ومعيار ماروني دفع الموارنة الى التطرف للحفاظ على دورهم التاريخي ككتلة وازنة وفاعلة وحاكمة وغير محكومة في منطقة يعاني منها المسيحيون من سوء تمثيل سياسي . وكانت أحزاب الموارنة طليعة الدور لحماية المشروع المسيحي داخل الدولة المارونية في الحرب كما في السلم ونتيجة لتقديرات خاطئة واعتماداً منهم على التطرف خسر المسيحيون فرص السلطة وسقط المشروع الماروني أكثر من مرّة من الحرب الأهلية الى الاعتماد على العدو الى نهاية آخر موقع في زاوية هذا المشروع داخل السياج الاسرائيلي في ما سُميّ بالشريط الحدودي من جيش سعد حداد الى مليشيا أنطوان لحد .
جاء الطائف بعد أن خسر المسيحيون حروبهم المتعددة وأسلموا للنتائج الجديدة التي سحبت منهم الامتيازات المارونية ووزعت على الطوائف لإعادة تركيب لبنان وفق صيغة جديدة غير محتكرة من قبل طائفة بل مصادرة من قبل طوائف مجتمعة وهذا ما أسس الى نمو شعور مسيحي وماروني تحديداً سيء اتجاه الطائف الذي كرّس واقعاً سلطوياً تتمسك به الطائفة السنية وتتباه الطائفة الشيعية كمرجع للتعايش السياسي .
رفضت القوات اللبنانية في البداية اتفاق الطائف ودخل متطرف الموارنة آنذاك الدكتور سمير جعجع السجن السوري وانحازت الكنيسة المارونية لنزعة التطرف من الطائف ومعها الرعية والرعايا وكان الجنرال ميشال عون محط آمال المشروع الماروني الذي أحبطه بهروبه من أرض المعركة تاركاً وراءه طائفة آمنت به والتفت حوله في أصعب الظروف. ومنذ ذلك الوقت والموارنة خارج المعادلة الى أن جاء الجنرال من منفاه بعد أن خرج الحكيم من سجنه وبذلك تمّ لمّ الشمل الماروني ولكن ضمن حسابات سياسية مختلفة جعلت من القوتين مجرد زبائن في دًكان الطوائف الأخرى .
لا شك بأن القوّات قد استفاقت موضوعياً من أزمة تطرفها وتبنت خيارات جدية غير متطرفة وتبنت مشروع الدولة العادلة وعدم العودة الى الدولة المارونية وآمنت بلبنان كمشروع لبناني لا ككيان طائفي في حين أن التيار الوطني الحرّ الذي تأسس على جملة من شعارات الثورة الفرنسية وضمن خطة نهوض وطني لا طائفي عاد به الحنين الى أمجاد المارونية السياسية وفتح نار طائفيته في كل اتجاهات وبات التحريض المذهبي ومواقفه الطائفية تُغذي الشعور الماروني وتدعوه الى التطرف لتحصيل حقوق المسيحيين المحصورة في سلّة الصهر دون غيره وبات يتصرف بطريقة غير عقلانية معتمداً على تحالفه مع حزب الله ومع شارعه الجاهز للتنفيس عن شُحنة كبيرة من العنف .
لقد تأثر الجنرال بشخصية أمين عام حزب الله وحاول جاهداً أن يقلده في شيء ولكن لم يساعده التعلم على كبر من العمر وانتقلت العدوة الى صهره الشاب الذي يحاول استنساخ تجربة الحزب والسيّد معاً والسعي نحو تحويل التيار الى حزب الهي مسيحي يضع الطائفة المارونية مجدداً أمام عداوات جديدة أكبر بكثير من العداوة التي دفعتهم خسائر لا يزال المسيحيون يجرون أذيال هزائمها .
للأسف مازال المسيحيون في الشرق متأثرون بالعقل العربي والاسلامي وعلى درجة كبيرة من العنف والاستبداد .