تحاول إيران استعادة تاريخ طويل من “الحج السياسي” في سعيها الدؤوب إلى تسييس الحج وتحويله من طقس ديني جامع للمسلمين من كافة أصقاع الأرض إلى ساحة لتسديد كلفة الصراع الإقليمي مع خصمها اللدود السعودية.

وتظاهر الآلاف من الإيرانيين الجمعة في طهران ضد السعودية بعد عدم مشاركتهم في أداء فريضة الحج لهذا العام، بسبب توتر متزايد بين البلدين.

وكان من المفترض أن يؤدي 64 ألف حاج إيراني هذا العام فريضة الحج، لكنهم حرموا من ذلك إثر فشل المفاوضات بين القوتين الإقليميتين المتنافستين.

ويحاول نظام الولي الفقيه السير على خطى خلفاء وقادة إسلاميين نقلوا صراعات سياسية نشبت على الحكم والخلافة إلى مكة المكرمة، حيث كانت البيعة تمنح للخليفة من المسلمين الوافدين من جميع أركان الخلافة.

واشتعلت الصراعات بين قبائل الجزيرة العربية حول مكانة عدة “كعبات” سياسيا واقتصاديا.

وبعد نزول الرسالة، وسع الإسلام من مكانة الكعبة في مكة عالميا، وقصر مفهوم زيارتها على طقس الحج، خامس أركان الإسلام، ووضع حدا لكل مظاهر التنافس السياسي خلال موسم الحج.

لكن عبدالله بن الزبير، الذي كان يشغل منصب والي مكة آنذاك والمطالب بالخلافة، دأب على أخذ البيعة من الحجيج. ويقول مؤرخون إن طموح عبدالله بن الزبير السياسي دفع عبدالملك بن مروان، الذي تولى الخلافة بعد أبيه مروان بن الحكم، إلى نقل الحج في تلك الفترة من مكة والمدينة إلى القدس.

وفي عام 73 للهجرة أرسل عبدالملك بن مروان جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي لقتال عبدالله بن الزبير. وانتهى حصار ضربه الحجاج على مكة بقصف الكعبة بالمنجنيق.

ويقول محللون إن سلوك إيران اليوم قد يعيد موسم الحج إلى أجواء الصراعات السياسية عبر التاريخ الإسلامي مرة أخرى.

وتسعى المملكة العربية السعودية، منذ تأسيسها عام 1932، إلى الحفاظ على نهج ديني مستقر يجنب طقوس الحج أي صراعات سياسية محتملة.

لكن في عام 1987 سعى النظام الإيراني إلى تصدير الثورة الإسلامية عبر الحجاج، وتحول الكثير من الإيرانيين إلى متظاهرين يرفعون شعارات سياسية في الحج.

وفي العام الجاري منعت طهران الإيرانيين من السفر إلى الحج، بعد فشل مفاوضات شاقة مع السلطات السعودية.

ويقول مراقبون إن النزاع المسلح في اليمن بين الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الشرعية المدعومة من تحالف عربي تقوده السعودية كان سببا وراء تعثر المفاوضات، إذ تبدو إيران عازمة على تسييس طقس الحج.

وقالت مصادر اطلعت على تفاصيل التفاوض إن السعودية أرادت الاتفاق على التزام أن يكون الحج “عبادة لا سياسة”.

وتتحسب السلطات السعودية من دفع إيران حجاجها إلى التظاهر عند مقبرة البقيع، حيث يرقد البعض من الأئمة الذين يحظون بمكانة دينية رفيعة لدى الشيعة كالحسن بن علي ومحمد الباقر وجعفر الصادق، وفي مقدمتهم جميعا فاطمة الزهراء، وهو ما يسبب إحراجا وفوضى خلال موسم الحج.

ولا تبيح التقاليد السعودية زيارة القبور والشفاعة بها ماعدا قبر الرسول (ص). ومن غير المسموح مزاولة عادات الشيعة والسنة (من غير أتباع المذهب الحنبلي) تجاه المراقد، خصوصا التقاليد الدينية الشائعـة في العراق.

صحيفة العرب