في موازاة الغضب والقلق الدوليين من تجربة بيونغ يانغ النووية الخامسة، التي استدعت جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي، بعدما أقلقت واشنطن وموسكو واستفزّت باريس، وشجَبتها تل أبيب واستنكرَها لبنان، توصلت الولايات المتحدة الاميركية وروسيا على خطة حل في سوريا تبدأ بهدنة ابتداءً من بعد غد الاثنين وينطلق بعدها التحضير لاطلاق العملية السياسية، وذلك بعد محادثات ماراتونية في جنيف بين وزيرَي الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف. إلّا أنّ مفاجأة الأمس تمثّلت بإطلالة زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري مجدّداً، بمناسبة مرور 15 سنة على هجمات 11 أيلول التي وصَفها بـ»المباركة»، متوعّداً الولايات المتحدة، بتكرارها آلاف المرّات. كذلك هدّد الأنظمة العربية، مؤكّداً أنّ «طريق الخلاص هو الدعوة والجهاد».
في غمرة الكباش السياسي الإيراني ـ السعودي المستمر، والأزمة الحكومية المستفحلة، تفاعلَ موقف رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان الذي دعا إلى الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي، إذ جاء، في رأي مصادر متابعة، «في توقيت مفاجئ لجهة التشنّج السياسي الحاصل نتيجة تعليق جلسات الحوار والجدل الدائر حول ميثاقية مجلس الوزراء وتخبّط البلد في أزمة سياسية تتطوّر سريعاً نتيجة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية»، وتخوّفت «من أن يكون هذا الموقف مرتبطاً بأجندة «حزب الله» الذي دعا سابقاً إلى مؤتمر تأسيسي قد تكون نتائجه خطرةً على المسيحيين بالدرجة الأولى، خصوصاً أنّ أرسلان قال حرفياً: «لقد طالبنا منذ 2009 حتى هذه اللحظة بالمؤتمر التأسيسي والتقَينا مع السيّد حسن نصرالله في هذا الطرح».

هذا الكلام دفعَ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن يستدرك هذا الموقف ويقرأ خلفياته، وقال لـ«الجمهورية»: «سَقط القناع وبانت كلّ خيوط اللعبة، كلّ التعطيل في رئاسة الجمهورية وما تبعَه لم يكن يهدف إلى تعزيز حظوظ العماد ميشال عون في الوصول إلى الرئاسة، إنّما كان يهدف إلى ما وصَلنا إليه الآن.

لم يعُد الأمر مجرّد تحليل وتوقّعات، بل أصبح واقعاً ملموساً وبانت الحقيقة، خصوصاً بعدما صرّح به النائب طلال أرسلان حول المؤتمر التأسيسي. بالنسبة إلينا هذا الأمر مرفوض جملةً وتفصيلاً، لأنّ أيّ مسّ بالدستور الحالي هو قفزةٌ في المجهول، وهذا ما نرفضه تماماً وبشكل قاطع».

مصادر كنَسية

من جهتها، أكّدت مصادر كنسية لـ«الجمهورية» أنّ «البطريركية المارونية والبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يرفضان أيّ مؤتمر تأسيسي جملةً وتفصيلاً، خصوصاً أنّنا لم نُطبّق «اتّفاق الطائف» حتى الساعة»، وسألت: «عن أيّ مؤتمر تأسيسي يتحدّثون، فالإصلاحات ضرورية، لكن قلب النظام وتقليص الحضور المسيحي مرفوض، لأنّه يشكّل ضرباً للميثاق وللصيغة ولنضالات الموارنة والمسيحيين عبر العصور بغية الوصول إلى لبنان الكبير، بلداً للجميع».

ورفضَت المصادر «زجَّ البطريرك الماروني في هذه القضية، لأنّه كان أوّلَ من تصدّى لمحاولات تسويق المؤتمر التأسيسي، وقد حذّرَ في موقف واضح منذ أكثر من سنة مِن دار الفتوى مِن مؤتمرات كهذه، لأنّه يؤمِن بالشراكة الحقيقية ويَرفض محاولة أيّ طائفة أو حزب السيطرةَ على البلد».

سباق داخلي

ومع دخول البلاد عطلة عيد الأضحى، دخل لبنان في سباق بين المساعي والمعالجة السياسية لاحتواء الأزمة الحكومية وإعادة إطلاق عجَلة الحوار، وبين الانفجار السياسي الشامل المؤجّل، في غياب أيّ معطى يَشي بإمكانية حدوث انفراج قريباً، على رغم التعويل بتنشيط الاتصالات بعد العيد، لإيجاد مخارج للأزمة المستجدّة.

وفيما كرّر رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون أنّه مستمرّ في الصمت، ولا يتحدّث باسمِه أحد، «لا زائر ولا حائر ولا عابر سبيل»، تتّجه الأنظار إلى المواقف الجديدة التي سيُعلنها رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل غداً مِن البترون وبعد غدٍ الاثنين من غزير.

في هذا الوقت، أكّد «حزب الله» أنّ موقفه في ما يتعلق بجلسة مجلس الوزراء أمس الاوّل الهدفُ منه ليس التصعيد، بل الاحتواء والمعالجة. وأعلنَ النائب علي فيّاض أنّ الحزب «يستغلّ كلّ لحظة لحلّ مشكلة الحكومة، وأمامنا تقريباً 10 أيام لكي تنقضي فترة الأعياد ويعود رئيس الحكومة تمام سلام من سفره، هذه الفترة يجب أن تتضافر فيها الجهود في سبيل إيجاد حلّ».

وأكّد «أنّ القاعدة عندنا أنّ الحكومة يجب أن تعود إلى العمل بطريقة فاعلة ومتوازنة، وطاولة الحوار يجب أن تعود للالتئام بما يساعد على حلّ مشاكل اللبنانيين». وشدّد على أنّ «الجميع في مأزق، والأمر يحتاج إلى حلول، وليس إلى المواجهة والتصعيد».

بوصعب

وقال الوزير الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: «لسنا هواةَ تعطيل، وكلُّ فعلٍ نعتبره تعدّياً علينا، سيقابله ردّةُ فِعل، نحن لا نَفتعل شيئاً ضد أحد، بل هم يفتعلون ضدّنا التهميش، ولسنا مستعدّين للقبول بالتعدّي علينا بعد اليوم. هم تَراجعوا عن كلّ ما تفاهموا عليه معنا من البداية، وفي الأمس حاوَلوا تخطّي المكوّنات الرئيسية في البلاد، والسيرَ مِن دوننا، يحاولون الإتيان بغطاء مسيحي للحكومة والقول إنّ الميثاقية مؤمَّنة، وهنا استبعد تيار»المردة» من هذه المعادلة، أمّا الآخرون فلا يمثّلون 4 في المئة.

نحن اليوم ندافع لأنّ المسيحيين يُعتبرون مهمّشين، ولا أتحدّث من منطلق طائفي أو مذهبي، فهناك أفرقاء مسلمون ومسيحيون يؤيّدون موقفنا، لكن هل يؤمّن الوزير عبد المطلب الحناوي الميثاقية إذا ما تغيَّبَ «حزب الله» وحركة «أمل»؟

ونفى بوصعب الحديث عن موافقة « التيار» على تسوية رفضَها سلام وطرَحها «التيار»، تقضي بإلغاء التمديد للأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمد خير مقابل القبول بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي لمعاودة حضور جلسات الحكومة، وقال: «يجوز أنّ سعاةَ الخير حاوَلوا طرحَها مع رئيس الحكومة، لكن لا يعني ذلك أنّها نوقشَت معنا أو قبِلنا بها، لا شيء شخصياً عندنا ضد أحد، والموضوع ليس التمديد لقائد الجيش بعد اليوم، بل الأزمة باتت في مكان آخر، قلنا سابقاً إنّ حلّها قبل 8 أيلول شيء وبَعده سيكون شيئاً آخر، وحلّها يتطلب اتّفاقاً شاملاً: ما هو قانون الانتخابات؟ سقف الحكومة؟ النظام الذي نريده؟ الشراكة الحقيقية التي تريدونها؟ فإذا كنتم تقولون إنكم ترفضونها فتابِعوا من دوننا إذن، ولكلّ فعلٍ ردّة فعل، أمّا إذا أردتم الشراكة الحقيقية فترجِموها أفعالاً».

وإذ لفتَ بوصعب إلى أنّ الاتصالات جارية، قال: «إذا وصلت إلى نتيجة ضمن السقف الذي نتحدّث به سنصل إلى حلّ، وإذا لم يقتنعوا فنحن أمام أزمة، والحلّ يتطلب مواضيع أخرى: البعض يسمّيه سلّة، البعض الآخر يسمّيه مؤتمراً على غرار ما جرى في الدوحة أم في أوروبا.. ولا أخفي أنّ الاتّحاد الأوروبي حاولَ القيام بمبادرة لعقدِ مؤتمر لحلّ الأزمة اللبنانية، وحتى الآن لم يحصل إجماع عليه من كلّ أعضاء الاتّحاد، إنّما على الأقلّ فكّر في القيام بمبادرة».

دوفريج

وقال الوزير نبيل دوفريج لـ«الجمهورية»: «نحن ضدّ كلّ الكلام الطائفي، وأخذُ الحجّة الطائفية للوصول إلى أهداف خاصة غيرُ مقبول في التعاطي المؤسّساتي. الميثاقية لا تُفسَّر حسب الأذواق، فالميثاقية هي التعايش الإسلامي ـ المسيحي، وإذا دخلنا في المذهبية فهذه مشكلة كبيرة.

الميثاقية تُفقَد عندما يتغيّب كلّ المسيحيين وليس مذهب واحد. الكلام الطائفي لا يؤدّي إلى مكان، ونحن حكومة معروفٌ أنّها لتسيير قضايا الناس وليس لحلّ قضايا سياسية مصيرية، فلماذا رفعُ السقف والتهديد بالشارع؟

الشارع في لبنان ليس كبقية البلدان، والشارع يقابله شارع، ولا يمكن أخذ شيء بالقوّة. فما حصَل عام 2007 عندما نُصِبت الخيَم لإسقاط الرئيس السنيورة، بقيَت الخيَم 18 شهراً ولم يَسقط، يجب أن نتعلّم من دروسنا».

حركة ديبلوماسية

وفي خضمّ الأزمة السياسية المستفحلة، شهدَ السراي الحكومي حركةً ديبلوماسية لافتة جاءت لمنع انهيار الحكومة أو دخولها في تعطيل من شأنه أن ينعكس على الإستقرار الذي يؤكّد الجميع أنه مضمون بقرار إقليمي- دولي. فزارَ سفراءُ أميركا اليزابيت ريتشارد، وبريطانيا هوغو شورتر، وفرنسا ايمانويل بون، رئيسَ الحكومة تمام سلام الذي أعطى وقتاً للمشاورات قبل الدعوة إلى جلسة جديدة لمجلس الوزراء.

وفي الوقت الذي ذكرَت فيه المعلومات الرسمية أنّ البحث تناولَ التطوّرات على الساحة المحلية والأوضاع العامة، قالت مصادر السراي لـ«الجمهورية» إنّ هذه المواعيد تمَّ ترتيبها في وقتٍ سابق للأزمة الحكومية، وإنّ البحث تناوَل التحضيرات الجارية للملفّات المطروحة على المؤتمر الخاص بالنازحين السوريين في الدول التي تشكّل الجوارَ السوري بناءً لدعوة من الأمم المتحدة وحصّة لبنان منها، في ضوء الدراسات التي أنجزَتها المؤسسات اللبنانية، ولا سيّما منها ما أُعِد مِن دراسات بإشراف اللجنة الوزارية المكلّفة ملفّ النازحين والخبراء الملحقين بها بالإضافة إلى تقرير البنك الدولي.

ولفتَت المصادر إلى أنّ السفراء أكّدوا استمرارَ الدعم الذي توفّره بلدانهم للحكومة اللبنانية في هذه المرحلة بالذات، خصوصاً تجاه ما ألقته الأزمة السورية من تبعات على لبنان هي أضعاف تلك الملقاة على عاتق الدول الأخرى.

ونبّهوا إلى مخاطر استمرار الشغور الرئاسي في ضوء الأزمة القائمة منذ عامين ونصف تقريباً وقد طالت، ولا بدّ من أن يسعى اللبنانيون إلى انتخاب رئيس ليكتملَ عَقد المؤسسات الدستورية لتعودَ العلاقات طبيعيةً في ما بينها.

وكان السفير البريطاني قد حضَّ مِن عين التينة القيادات اللبنانية «على أن يضعوا خلافاتهم جانباً وينخرطوا في الحوار، وإنجاز مسؤولياتهم لإعادة تفعيل المؤسسات في البلاد».

وأكّد أنّ «انتخاب الرئيس هو حاسم للبنان، خصوصاً في مواجهة التحدّيات الراهنة، والتقدّم إلى الأمام لكي تؤمّن المؤسسات حاجات المواطنين اللبنانيين، وهذا يمكن أن يحصل فقط بانتخاب رئيس للجمهورية من خلال الحوار».