اطالل الله بعمر الجنرال، لا رئيس للجمهورية قبل الصيف المقبل، اطراف اقليمية تراهن الى ابعد مدى على «الانقلاب» الذي ستنفذه هيلاري كلينتون في الاستراتيجية الاميركية، حتى اذا ما تحقق ذلك فقد يتوج الدكتور سمير جعجع لا العماد ميشال عون رئىساً للجمهورية.
هذا الكلام ليس للتعليق العابر، هناك مسؤولون عرب كبار يعتقدون ان الاشهر المقبلة هي اشهر ضائعة. وقت ضائع واللعب فيه هامشي واقرب ما يكون الى الدوران حول الذات. وبعدما تستتب اوضاع الادارة العتيدة في واشنطن تبدأ رحلة الصعود (الى الهاوية؟!)
ديبلوماسي بريطاني في احدى دول الخليج، يقول ان الاوضاع في الشرق الاوسط وحيث الصراع حتى بين الصراعات القائمة، بلغت من التعقيد حدا لا يمكن ان تجدي معه اي حلول...
في نظره ان الاحتمال الوحيد للتوصل الى تسوية كبرى تندرج في اطارها التسويات الصغرى (تدرجا) ان تصل الامور بين هيلاري كلينتون وفلاديمير بوتين الى حافة الهاوية. لعلها حافة جهنم...
لم تعد المسألة تقتصر على تسخين الشرق الاوسط بل يفترض تسخين الكرة الارضية بعدما بدا ان (التسوية) او التسويات لا يمكن ان تشق طريقها الا في اطار بلورة قواعد جديدة للنظام العالمي الجديد...
اوساط سياسية تسأل ما اذا كان على الازمة اللبنانية وهي تكاد تكون تقنية وذات ابعاد شخصية (او شخصانية) بالدرجة الاولى ان تنتظر حتى ينعقد مؤتمر دولي او ما شابه ذلك من اجل اعادة هيلكة المنطقة على  المستوى الجيوسياسي كما على مستوى العلاقات والمعادلات.
ساسة ومفكرون لبنانيون يتحدثون عن «جدلية التدهور». حديث عن فيدرالية الازمات، من الاستحقاق الرئاسي وحتى ملف النفايات مرورا بصاحب الجلالة الفساد الذي هو «الدستور الاعظم» للجمهورية الثانية.
ماذا عن ازمة النزوح السوري؟ مسؤولون يعترفون بأنه اذا ما استمرت الازمة السورية لعشر سنوات اضافية مع تناقص مأسوي في الاحتياطات المالية العربية وفي اسعار النفط وبالتالي انقاذ فرص الاعمار الكبرى، فإن لبنان سيشهد انقلابا ديموغرافيا مثيرا...
مصادر كنسية تقول «لم يحن بعد الوقت لقرع الاجراس» لكن اللحظة آتية لا محالة وهناك من يقرأ حملة عون الحالية بطريقة اخرى. صحيح ان الهاجس الاستراتيجي لرئيس تكتل التغيير والاصلاح هو الكرسي الرئاسي غير انه يستشعر بأن النازحين السوريين واللاجئىن الفلسطينيين (وهو ما عبّر عنه النائب نعمة الله ابي نصر بوضوح في بكركي) سيصبحون عاجلا ام اجلا اعضاء في البرلمان كما في الحكومة...
في هذه الحال تتراجع نسبة المسيحيين من الثلث الى ثلث الثلث. استباقا للامور لا بد من الفديرالية التي جالت كثيرا في رأس جعجع في الثمانينات من القرن الماضي...
ويتردد في الكواليس ان رئىس حزب «القوات اللبنانية» يدرك ما هي التداعيات الحالية والمستقبلية للازمة السورية على لبنان، كما يعرف ان النازحين يتحولون اكثر فأكثر الى جزء من النسيج العضوي للمجتمع اللبناني، مخيماتهم ليست مقفلة وليست جهوريا مقفلة كما هي حال المخيمات الفلسطينية بل هي مشرعة، والسوريون انخرطوا في كل القطاعات...
غير ان جعجع يدرك ان «الحكي» في الوقت الحاضر من دون جدوى. يفضل الا يتورط ابدا في لعبة الاقليات ليلتصق اكثر فأكثر بمن يعتبر انهم قيمون او اوصياء على السوريين وعلى النازحين السوريين وان كان هناك من يرى انه عندما تنفجر «القنبلة» فإن الشظايا تضرب الجميع دون استثناء...
والسؤال الذي تطرحه الاوساط السياسية الآن : هل استطاع عون ان يقنع المسيحيين بأن قضيته ليست رئاسة الجمهورية بل الجمهورية، تحديدا ... الجمهورية المسيحية؟
الاوساط اياها تشير الى ان الشعارات التي تطرح والمواقف التي تصدر لا تترك مجالا للشك في ان الجنرال فقد اي امل في امكانية اقناع من في الخارج برفع الفيتو عنه كما انه فقد اي امل في اي دور للرئيس سعد الحريري في ما يتعلق بصياغة معادلة «الجنرال في القصر والشيخ في السرايا».

 قتال ضد الوصاية الداخلية 

عون دفع بالمشكلة الى حدودها القصوى، الشراكة. قاتل كثيرا ضد الوصاية الخارجية وها هو يقاتل ضد الوصاية الداخلية. لديه مئات بل آلاف الامثلة على ان المسيحيين يعاملون كـ «اهل ذمة» في السلطة التنفيذية كما في السلطة التشريعية...
في الكواليس ايضا ان عون لم يعد يستطيع ان يتراجع. اذا تراجع احترق. حتى ان هناك من ينصح رئىس تيار المستقبل بإعلان تبنيه ترشيحه لرئاسة الجمهورية في لحظة تسقط كل الشعارات وكل المطالب ويتحول الجنرال الى باشكاتب برتبة... رئىس جمهورية.
اذا لم تجر الانتخابات الرئاسية قبل ايار المقبل لا بد من الانتخابات النيابية. كل ما يحكى عن استحالة التمديد كلام بكلام. ماذا لو انتخب البرلمان وبقي قصر بعبدا خاليا؟ دستوريا الحكومة تعتبر مستقيلة بمجرد ان يبدأ مجلس النواب الجديد اعماله. في هذه الحال تتحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال. لا رئىس جمهورية ولا رئىس حكومة دون ان يكون باستطاعة احد التكهن بما سيكون عليه وضع المنطقة في ذلك الحين...
جهات سياسية تعتبر ان التمديد للمجلس حتى ولو كان للمرة الثالثة اهون الشرين بل واهون الشرور، ما دام اقرار قانون للانتخاب يبدو مستحيلا وما دام قانون الستين (المعدل في عام 2008) سيأتي بالنتائج ذاتها وان مع بعض التغيير الشكلي في الوجوده...
كل المؤشرات تشير الى أن ايقاع الازمة اللبنانية على ايقاع الازمة السورية، والمصادر الديبلوماسية ترى ان هذا لا يمنع المراجع اللبنانية حتى ولو كانت صلاحياتها او امكاناتها تنحصر في ادارة الازمة، حتى بذل جهودها لانتظام العملية الدستورية والسياسية في البلاد.
هذه المصادر، ومن بينها السفير البريطاني هيوغو شورتر، تعتبر ان على القوى السياسية في لبنان ان تحزم امرها وتبادر الى انتخاب رئيس الجمهورية كمدخل اساسي وحتمي الى انقاذ البلاد من الازمات التي تتخبط فيها والتي اذا ما استمرت على هذه النحو فلا بد ان تأتي بعواقب كارثية على البلاد.

 التراجيديا المسيحية 

المصادر اياها تؤكد ان بلدانها معنية الى ابعد الحدود بالاستقرار السياسي والامني في لبنان وبالتالي الحفاظ على المسار الديموقراطي الذي يتمثل بالدرجة الاولى في تداول السلطة وايضا في اعادة انتاج السلطة. واذ تعطي الاولوية المطلقة للاستحقاق الرئاسي فهي تعتبر الانتخابات النيابية حيوية جدا، والا فإن التمديد يكرس نوعا من التوتاليتارية المقنّعة.
حتى الان لا مؤشر على ان بالامكان الاتفاق على صياغة قانون انتخاب متطور ويعطي للعملية التمثيلية فاعلية اكبر حتى اذا ما اعتمد قانون الستين مرة اخرى فإن «التراجيديا المسيحية» ستتعمق على ما تراه حتى مراجع روحية مسيحية فمن اصل 26 دائرة انتخابية يبدو الصوت المسلم هو الحاسم في اختيار النواب المسيحيين باستثناء خمس دوائر هي بيروت الاولى، المتن الشمالي، كسروان، زغرتا وبشري.
حتى الآن، الجهود التي تبذل وبرؤوس الاصابع تبدو وكأنها بمثابة دوران حول الذات. هل احرق الجنرال وراءه كل المراكب ام يمكن ان يصغي الى ما يقوله الحلفاء الذين يدركون حساسية الاوضاع الاقليمية وخطورتها وبالتالي انعكاساتها على لبنان.

 انقلاب ضد الطائف 

ولم يعد خفيا ان الصقور في تيار المستقبل في حال استنفار في الوقت الحاضر ويعتبرون ان عون يريد ان ينفذ انقلابا ضد اتفاق الطائف وعلى اساس ان الشراكة تبدأ من رأس الهرم، اي توسيع صلاحيات رئىس الجمهورية واصدار قانون انتخاب على ان تعطى الاولوية لمشروع القانون الارثوذكسي الذي ترى فيه قوى اسلامية مدخلا الى الفيدرالية او الى الكونفديرالية...
والسؤال الذي تتمحور حوله الاتصالات التي لا تزال في بداياتها هو كيف يمكن اقناع التيار الوطني الحر بالعودة الى الحكومة والى طاولة الحوار مع الحفاظ على ماء الوجه بل واكثر من ذلك اظهار التيار وكأنه حقق شيئا في موضوع الشراكة.
عودة الحديث الى اتفاق حول آلية عمل الحكومة، ولكن ماذا يمكن العمل بموضوع التمديد للعماد جان قهوجي بعدما كان هناك من يسأل عن الآليات القانونية الخاصة باستدعاء العميد شامل روكز من الاحتياط؟

 باسيل والقنبلة الكورية 

كل شيء مؤجل الى ما بعد العيد. باسيل الذي على مسافة 100 كيلومتر منه «ترقد» ترسانة نووية هائلة، اصدر بيانا (يحتاج حتما الى قرار من مجلس الوزراء) اعرب فيه عن قلق لبنان حيال اعلان بيونغ يانغ اجراء تجربة نووية.
ولم ينس وزير خارجية لبنان ابداء الاستنكار، ودعوة «كوريا الديموقراطية الشعبية» الى «التزام احكام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والامتناع عن القيام بكل ما شأنه زعزعة الامن والاستقرار على المستويين الاقليمي والدولي».
وزير الخارجية قلق من قنبلة بيونغ يانغ والوزير رشيد درباس ليس مطمئا الى وضع البلد «ونحن قبلنا ان نسير في جلسة مجلس الوزراء من دون جدول اعمال افساحا في المجال امام الوساطات الجارية».
اضاف«لا نعرف ما هو مطلب التيار الوطني الحر، ولا نفهم ما هي المشكلة التي يثيرونها والتي يتحدثون فيها عن تهديد الشراكة»، نافيا وجود «اصطفاف مسيحي» ودون ان تكون هناك مشكلة اسلامية - مسيحية، واعتبر «ان النار التي يحاول باسيل ان يشعلها لا يجد وقودا لها».

 حزب الله: لا اسقاط للحكومة 

و«حزب الله» الذي يمانع في اسقاط الحكومة ولكن مع التركيز على التوازن بين المكونات، اكد بلسان الوزير حسين الحاج حسن «الحرص على الحكومة والحوار وايضا على عدم اهتزاز العيش المشترك لدى كل المقومات الاساسية، وبالتحديد التيار الوطني الحر ولا احد يتكلم عن سقوط أو اسقاط الحكومة».
واوضح «ان هناك اختلافات سياسية بين المكونات في السلطة وسنعطي فرصة لنجد حلولا للازمة المستجدة للعودة الى الحوار ولكي تجتمع الحكومة لنكمل العمل ونتفاهم»، مشددا على «اهمية اعطاء فسحة من الوقت لايجاد حلول للازمات».
تصريح لافت للوزير السابق فادي عبود الذي اذ اكد «ان اتجاهنا ليس تقسيميا وان لبنان من دون مسيحيين لا يمكن ان يستمر»، قال «اذا الديموقراطية بالعدد اسمحوا لنا بعددنا الصغير ان نحكم انفسنا».
اما النائب ابراهيم كنعان فأشار الى ان التيار الوطني الحر يتريث في التصعيد لأنه إن بدأ، سيبدأ في الشارع ويصل الى النظام والمؤسسات الدستورية، وذلك مع اعلان عون التزامه الصمت.
بدوره قال الوزير ميشال فرعون انه يؤيد نظرية تأجيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، مضيفا أن «الخيارات ستكون ما بين السيىء والاسوأ ويجب ألا نضع الحكومة في قلب العاصفة».
الى ذلك اكد المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم انه ليس وسطيا بين اي فريقين من الافرقاء السياسيين، موضحا انه نقل رسالة الى المعنيين عن الاجواء التي لمسها خلال اتصالاته ولقاءاته وهي بتصرفهم لا بتصرف الرأي العام.
في هذه الاثناء تبقى الانظار مشدودة الى حلب حيث مضى الجيش السوري الى ما بعد الراموسة والقى مناشير تدعو مسلحي المعارضة الى القاء السلاح وبالتزامن مع محادثات جنيف بين الوزيرين الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف والتي انتقلت مساء الى الخبراء.
وكان قد سجل حادث ينطوي على الكثير من الدلالات اليه ترتبط بما يجري على الارض في حلب وبما يجري حول الطاولة في جنيف وهو مقتل امير «جيش الفتح» ابو هاجر الحمصي المعروف بـ «ابو عمر السراقبي» بعد اغارة طائرة «مجهولة» على اجتماع لقيادة التنظيم، ما يشي بخرق ما حدث على المستوى الاستخباراتي والديبلوماسي في ما يتصل بالوضع في حلب وربما بالوضع العام في سوريا.