تشتدّ الأزمة ولا تنفرج، منذ إعلان التيار الوطني الحر والطاشناق (ولاحقاً حزب الله وتيار المردة) مقاطعة جلسات مجلس الوزراء.

وإذا كان التيار لم ينجح حتى اللحظة في انتزاع مطلبه بالتراجع عن التمديد للواء محمد خير، إلا أنه على الأقل، بعد «قلب» طاولة الحوار، استطاع منع الحكومة من العمل، فتحولت جلسات مجلس الوزراء إلى اجتماعات تشاورية، هي أقرب إلى طاولة الحوار، حيث يعرض كل طرف فيها وجهة نظر تختلف عن البقية، ما يعني أن المقاطعة أثبتت قدرتها التعطيلية وشلّ المؤسسات الدستورية. وكان مأمولاً أن تبقي طاولة الحوار خطوط التواصل ممدودة بين الأطراف المتصارعة إلى حين أن تنضج الظروف الإقليمية. لكن يبدو أن هذا الحد الأدنى من التواصل بات صعباً، أقله في الأسبوعين المقبلين، حيث يسافر رئيس الحكومة تمام سلام إلى نيويورك ليترأس الوفد اللبناني الى الدورة الـ 71 للجمعية العمومية للأمم المتحدة. وما يزيد من صعوبته ما عبرّت عنه مصادر الرئيس برّي بقولها إن الأخير «لم يعد مهتماً. صحيح أن الرئيس برّي هو في قلب الحدث، لكننا سنترك الأمور تأخذ مداها، وإذا كان التيار الوطني الحر يريد التصعيد فليصعّد». وأضافت المصادر: «صحيح أن الرئيس برّي يدعم الرئيس سعد الحريري، لكنه يرى أن الحكومة من مسؤوليته، ولن نقود حرباً نيابةً عنه. الرئيس برّي لن يكون ملكيّاً أكثر من الملك، هذه معركة تيار المستقبل، وعليه هو أن يتحمّل المسؤولية». وقالت: «لا شك أن تيار المستقبل يشعر بالارتباك، وعليه أن يعمل هو على حل الأزمة».
أما بالنسبة إلى القوات اللبنانية، فقد نقلت مصادرها أن «معراب لا تتوقع ذهاب الأمور بعيداً إلى حد الانفجار». وقد أرجعت ذلك إلى أن «العماد ميشال عون يصطدم بحاجزين، هما الحليفان الأساسيان له، أي نحن وحزب الله». وأكدت المصادر أن «القوات ليست مع مواجهة مفتوحة وليست مع خيار الشارع». أما حزب الله «الذي يبدو حريصاً على أن لا يخسر عون معنوياً، فإنه لن يذهب إلى مواكبته إلى الشارع لأنه غير مستعد لكشف البلد حكومياً».

 


وترأس أمس سلام جلسة «تشاورية» لمجلس الوزراء، حضرها الوزير ميشال فرعون. ولفت الأخير إلى أن «حضوره جاء نتيجة التزام سلام بتحويل الجلسة الى نقاش بدون بحث في أي بند». وقد تغيّب وزير المردة روني عريجي عن الجلسة، الأمر الذي اعتبرته مصادر التيار الوطني الحر «موقفاً يستحق التقدير»، لافتة إلى أنه «خطوة إيجابية من الوزير سليمان فرنجية تؤكّد أن الخلاف الرئاسي لا يؤثر على التحالف السياسي». وأشارت مصادر وزارية إلى أنها «كانت سياسية بامتياز، تحدث فيها كل طرف عن موقف تياره أو حزبه». ونفت المصادر تهديد الرئيس سلام بالاستقالة، لكنه قال «إننا نحاول استيعاب المشكلة والطرف المقاطع. لكن إذا أصر البعض على التعطيل، فساعتها لكل حادث حديث والخيارات مفتوحة». وتساءلت المصادر عما إذا كانت المشكلة تُحل بالتراجع عن التمديد للواء الخير، كاشفة أن «المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، هو من نقل عشية الجلسة عرض التيار الوطني الحر رسمياً قبوله بالتمديد للعماد جان قهوجي، مقابل تعيين بديل للواء خير»، وقد تم «تبليغ هذا العرض إلى الرئيس سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق اللذين قابلاه بالرفض».
في السياق، زار أمس النائبان نعمة الله أبي نصر وحكمت ديب البطريرك بشارة الراعي موفدين من العماد عون، لإبلاغه أن «التيار أخذ القرار بالتصعيد، وسيأخذ مواقف في الإعلام والسياسة، وقد يضطر للنزول إلى الشارع بعد تهميش فئة كبيرة من اللبنانيين وإبعادها عن مراكز القرار». من جهة أخرى، لفت نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى أن «الحزب يبذل في هذه الأيام جهوداً خاصة لتقريب وجهات النظر، حيث يرى ضرورة لإيقاف التدهور في هذا البلد ولا بديل من التفهم والتفاهم»، معتبراً أنه «إذا كان البعض ينتظر التغيرات في المنطقة لتحسين شروطه وموقعه فهو واهم».
يبقى السؤال: هل البلاد مقبلة على توتر أمني مقرون بالتوتر السياسي في حال ذهاب التيار الوطني الحر إلى تنفيذ ما يلوّح به، وخصوصاً أنه لا يبدو مستعداً للتراجع عما يريده من دون أن يقبض ثمن ذلك؟ الإجابات الغامضة عن هذه الأسئلة تدفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى الدخول على خط الأزمة اللبنانية، حيث باتت مستعجلة أكثر من أي وقت مضى لانتخاب رئيس أياً يكن. وفي هذا الإطار، أشارت مصادر سياسية بارزة إلى أن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، توماس شانن، تحدث في هذا الملف مع الأفرقاء اللبنانيين خلال زيارته لبنان. وقد نقل إليهم رسالة أميركية مفادها أن «الولايات المتحدة تستعجل انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، وأنه لا مانع لديها من انتخاب أي مرشّح، لأن ذلك أفضل من استمرار الفراغ».