تعدّت جلسة مجلس الوزراء أمس حسابات الربح والخسارة، بعدما دخل المعنيون في مواجهة حقائق ما بعد «الجلسة الدستورية والميثاقية»، بتعبير الرئيس تمام سلام، الذي صارح الوزراء بأبعاد ما نجم عن عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتعليق جلسات الحوار الوطني، والسعي لشل الحكومة «الرابط الشرعي والرسمي»، الذي ما يزال يربط بين اللبنانيين، ويعبّر عن كيانية الدولة والمجتمع في لبنان.
من الحقائق التي فرضتها المناقشات التشاورية: 
1- ان البلاد تمر بأزمة، آخذة بالتحوّل إلى معضلة، فالحكومة اليوم «حكومة مأزومة وحكومة أزمة لأن لا رئيس للجمهورية» والكلام لوزير الداخلية نهاد المشنوق.
2- أن الوزراء المسيحيين المشاركين في الحكومة يشعرون «بالاهانات المتتالية تارة لجهة الانتقاص من تمثيلهم (6٪ من المسيحيين) وفقاً للاعلام العوني، وتصريحات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وعليه، لم يتأخر وزير الاتصالات بطرس حرب من القول امام الجلسة «لا أحد منا لديه رغبة بالبقاء يوماً في هذه الوزارة في ظل الإهانات اللاحقة بنا من النّاس ومن القوى السياسية بعدما تسبب البعض بانحطاط في المستوى السياسي».
3- صحيح ان الرئيس سلام أكد انه سيعطي المجال امام مزيد من التشاور في الأزمة الراهنة لإعطاء فرص جديدة لإيجاد حلول، لكنه بالمقابل شدّد على ان «انتاجية الحكومة هي عامل أساسي في بقائها»، مضيفاً «علينا ان لا نتجاهل تبعات التعطيل وآمل ان يُدرك الجميع ان عدم انتاجية الحكومة يطرح سؤالاً مشروعاً حول الجدوى من استمرارها».
وإذا كان هذا الكلام أُدرج بأن الرئيس سلام لن يبقى رئيساً للحكومة إذا لم تكن هناك فرصة ممكنة لإيجاد الحلول، نفى مصدر وزاري لـ«اللواء» ان يكون الرئيس سلام لوّح بالاستقالة، وانه يضعها في جيبه منذ أكثر من سنة.
وتساءل هذا المصدر «اذا وصلنا إلى مرحلة استقالة الحكومة فلمن تقدّم هذه الاستقالة، المستحيلة من الناحية الدستورية»، مضيفاً «هل يمكن ان يذهب الرئيس سلام إلى الأمم المتحدة وحكومته مستقيلة؟».
4- صحيح ان الجلسة ناقضت وانها أكدت انها مستمرة وأن رئيسها لن يخضع لابتزاز القوى التي تقاطعها، لكنها راعت واقع الأزمة في البلاد ولم تدخل في مناقشة جدول الأعمال واكتفت بمناقشة الأزمة وظروفها واعتباراتها.
5- ومن الحقائق أيضاً، ان عدم مشاركة وزير الثقافة روني عريجي، ووفقاً للبيان الذي صدر عنه لم يأت من باب التضامن مع «التيار الوطني الحر»، الا انه اتى على أساس إفساح المجال امام مزيد من المشاورات لإيجاد الحل للأزمة السياسية الراهنة.
والأبرز في موقف عريجي إعلانه عن استعداده لحضور أوّل جلسة يدعو إليها رئيس مجلس الوزراء.
6- يستفاد مما تقدّم، ان مقاطعة وزراء حزب الله وعدم مشاركة الوزير عريجي تتعلق بجلسة بحد ذاتها وليس موقفاً من الحكومة. (محضر الجلسة ص 2)
ساعات ما قبل الجلسة
في معلومات «اللواء» ان ساعات حافلة بالاتصالات جرت قبل انعقاد الجلسة، بأقل من 24 ساعة، وأبرزها الاتصال المطوّل الذي اجراه رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون بالامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، وطالبه فيه بالتضامن مع وزراء التيار «والطاشناق» بإعلان مقاطعة الحزب للجلسة.
وتقول مصادر المعلومات ان اتصال عون جاء على خلفية إنقاذ التحاف والتفاهم الموقع بين الطرفين في 2006، والذي تضغط القواعد العونية على التحرّر منه ما لم يقف الحزب إلى جانب التيار في مرحلة عصيبة من تاريخه السياسي، من أجل «الميثاقية والشراكة».
وتضيف المعلومات ان هذا الاتصال كان له صدى لدى السيّد نصر الله الذي يردد في غير مناسبة ان «للتيار الوطني الحر» ديناً عليه، في موقفه التضامني في حرب تموز 2006 مع الحزب.
وفي المعلومات ان السيّد نصر الله كلف وزير الحزب وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمّد فنيش بالاتصال بالرئيس سلام، وقد حدث هذا الاتصال قبيل الثامنة من مساء الأربعاء، عشية الجلسة.
وأبلغ فنيش سلام ان الحزب لن يحضر جلسة مجلس الوزراء التي عقدت امس الخميس.
ووفقاً لرواية «حزب الله» فالرئيس سلام فوجئ بالرسالة التي تبلغها من «حزب الله» والذي كرّر طلب الحزب بعدم عقد الجلسة لافساح المجال امام مزيد من الاتصالات.
وأبلغ الرئيس سلام وزير الحزب ان اجتماع مجلس الوزراء مقرر قبل أسبوعين، وأنه ليس بإمكانه التراجع عن عقد الجلسة.
وتضيف معلومات الحزب ان حارة حريك أجرت اتصالاً مع بنشعي، وطلب «حزب الله» عبر المعاون السياسي للحزب، انضمام الوزير عريجي إلى المقاطعين وهذا ما حصل فعلاً، فغاب عريجي في إطار التنسيق مع الحزب وليس «التيار الوطني الحر».
وفي معلومات عن توفير النصاب للجلسة، فقد جرت اتصالات مع الوزير المشنوق الذي أكّد حضوره إلى السراي والمشاركة في الجلسة، كذلك الحال مع الوزير ميشال فرعون، الذي وفر النصاب الدستوري 16 وزيراً أي ثلثي أعضاء الحكومة وفقاً لمرسوم تشكيلها، والذي ربط حضوره بأن تكون الجلسة تشاورية وليس لاتخاذ القرارات.
وأكّد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في حفل التخرّج الذي أقامه معهد الرسول الأعظم مساء أمس، ان الحزب بذل جهوداً لوقف التدهور في هذا البلد، مشيراً إلى أن مسألة الرئاسة طريقها محصور وقد مرّت سنتين وما زلنا في المربع الأوّل، ولو مرّت سنوات سنجد انفسنا في نفس المربع.
في مطلق الأحوال لن تعقد جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل في 15 الجاري ولا الخميس الذي يليه في 22 الجاري، وذلك باسباب تتعلق بإفساح المجال امام المشاورات لإيجاد المخارج، فضلاً عن سفر الرئيس سلام إلى نيويورك لترؤس وفد لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأحد في 18 الجاري على ان يعود إلى لبنان إما يوم الخميس 22 أو الجمعة في 23 الجاري.
استمرت جلسة الحكومة ساعة ونصف، وادلى الوزراء كل في دلوه، في ظل تضامن ظاهر مع الرئيس سلام، والشّد على يديه لجهة صبره، وترويه، وميثاقيته، ولم يُحدّد رسمياً موعداً للجلسة المقبلة، وإن كانت الأنظار تتجه إلى 29 أيلول الجاري، أي قبل يوم واحد من انتهاء ولاية رئيس الأركان اللواء وليد سليمان وتعيين رئيس جديد للاركان فإذا لم تعقد الجلسة، يصبح من الطبيعي ان يتولى أحد نوابه الاقدم في الخدمة هذا المنصب لحين تعيينه رئيساً أصيلاً للاركان.
أما بالنسبة لقائد الجيش، فأكد وزير الدفاع سمير مقبل خلال الجلسة أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه فأنا مضطر للقيام بصلاحياتي وسأتخذ القرار بتأخير تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي.
وأشار الوزير مقبل إلى أن هناك أزمة تحدق بالوضع الاقتصادي، ولم يُخف وزير المال علي حسن خليل بروز مشكلة ببعض الرواتب في نهاية العام، مشيراً إلى أننا مضطرون لإصدار سندات «اليوروبوند» ولا يوجد لدينا إجازة من الحكومة لذلك، والمطلوب حوالى 7 مليار دولار من العام 2017.
وطالب وزير العمل سجعان قزي بتحصين الحكومة عبر إجراء اتصالات مع الوزراء المعتكفين لأن كل وزير له وزنه في الحكومة، مؤكداً أن الحكومة مستقيلة في حكم الدستور.
ودعا وزير التنمية الإدارية نبيل دو فريج إلى تغيير اسم الحكومة من حكومة المصلحة الوطنية إلى الأخذ بالاعتبار المصالح الأخرى.
وشددت وزيرة المهجرين أليس شبطيني في مداخلة مطولة على توفير النصاب للجلسات لتتمكن الحكومة من اتخاذ قرارات، متمنية على الوزير باسيل أن لا يجرّ البلاد إلى منحى خطير جداً، محذرة من «الفيديرالية» التي حذّر منها أيضاً الوزير خليل.
سقوط التسوية
وكشف خليل عن التسوية التي كانت تقضي بالتمديد للعماد قهوجي وتعيين بديل عن اللواء محمّد خير الذي أجّل تسريحه.
وفي المعلومات أن هذا المخرج اقترحه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وذلك بأن يتراجع وزير الدفاع عن تأجيل تسريح اللواء خير، وأن يعيّن مجلس الوزراء أميناً عاماً أصيلاً للدفاع مكانه، مقابل أن يسكت التيار العوني عن التمديد للعماد قهوجي.
وحسب معلومات حزبية أن رئيس الحكومة لم يقبل بهذا الاقتراع كذلك رفضته الرابية لا سيما لجهة التمديد لقهوجي.
والسؤال الآن ما هو المأمول في جلسة نهاية الشهر، هل تُعقد أم لا؟
وفقاً لمصادر سياسية، فإن رافعة عقد جلسة مجلس الوزراء ستكون عودة طاولة الحوار إلى الانعقاد، وإلا فإن الجلسة قد تبقى مهددة أيضاً، هذا مع العلم أن الاستحقاقات المالية والإدارية ستكون ملحّة قبل مطلع تشرين الأوّل لعقد الجلسة واتخاذ ما يلزم من قرارات سواء في ما يتعلق برئاسة الجامعة اللبنانية حيث تنتهي رئاسة الرئيس الحالي الدكتور عدنان السيّد حسين في 13 تشرين الأول، كما تنتهي ولاية رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد خليل إبراهيم في العاشر من الشهر المقبل، ويتعيّن تعيين بديل له، أو اتخاذ قرار بتأجيل تسريحه أيضاً، فضلاً عن تعيين قائد جديد للجيش، وتعيين مدير عام للشؤون الاجتماعية، والتمديد للدكتور معين حمزة أميناً عاماً للمجلس الوطني للبحوث العلمية.
ولم تشأ المصادر في التكهن بالأمور المرهونة بأوقاتها، لكن مصدراً رفيعاً في القوات قال لـ«اللواء» أن تأجيل اتخاذ قرارات في مجلس الوزراء تأخير انفجار الوضع على الأرض، مستبعداً حصول تفاهم مع التيار الوطني الحر الذي لن يحضر جلسة مجلس الوزراء المقبلة وهو ذاهب إلى التصعيد.
وأشار هذا المصدر إلى أن رئيس الحكومة يصبح محرجاً إذا لم تتمكن حكومته من الانعقاد واتخاذ القرارات.
أما مصادر الرابية فتحدثت عن أن المخرج يتعلق بانتخاب النائب عون رئيساً للجمهورية، وإلا فالتيار يعتبر نفسه في مواجهة مفتوحة لاحترام الشراكة، وأن قرار التصعيد على الطاولة وارد في كل دقيقة.
ولفت القيادي في التيار الوطني الحر الوزير السابق ماريو عون لـ«اللواء» إلى أن هناك جدية في الاستعداد لأي شيء وأن ما من تعويل أيجابي على أي تحرك معيّن يمكن أن يقوم لمعالجة الوضع.
وفي سياق متصل، أوضح عون أن المطلوب هو قيام تفهّم لما نطالب به وأن حزب الله قام بخطوته أمس من دون أن يطلب منه أحد ذلك وهو أتى في إطار تنفيس الاحتقان، ووزير المردة تضامن مع موقف وزيري الحزب، مؤكداً أن عدم احترام الميثاقية والشريك الآخر في الوطن أمر مرفوض وهناك هواجس لا بدّ للجميع أن يأخذها بالاعتبار.
وفيما خصّ «الميثاقية» توقفت مصادر سياسية باهتمام بالغ عند ما كشفه النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم أن الميثاقية تعني انتخاب رئيس للجمهورية، فعن أي ميثاقية يتحدثون بعد سنتين من استمرار الشغور الرئاسي.
أما البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فأكد أن الميثاق الوطني هو روح الدستور، والدستور من دون روح حرف ميت، مشيراً إلى أن الدستور اليوم عُرضة لتفسيرات عديدة تؤدي إلى الخراب.
وكان النائب عون أوفد إلى بكركي كلاً من النائبين نعمة الله أبي نصر وحكمت ديب لوضع البطريرك في أجواء تحركات التيار الإعلامي والشعبي في الشارع.
بدورها، رأت كتلة «الوفاء للمقاومة» أن التفهم والتفاهم يشكلان المدخل الوحيد لإنهاء الأزمة في البلاد والحل المطلوب هو استئناف الحوار، ومراعاة التوازن الوطني والشراكة الوطنية واحترام مقتضيات العيش الواحد والاحتكام إلى الدستور ووثيقة الوفاق الوطني دون أي انتقائية أو استنساب.
النفايات
في هذا الوقت بقيت النفايات تترنح والملفات المعيشية تنتظر المعالجة.
وذكرت مصادر مطلعة أن رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل سيعقد مؤتمراً صحفياً خلال الأيام القليلة المقبلة يتحدث فيه عمّا وصلت إليه الاتصالات حول إعادة فتح مطمر برج حمود، والخطة المعدلة ودور البلديات.
وكشفت مصادر كتائبية عن أن اجتماعات أخرى ستعقد مع البلديات والهيئات المدنية والاقتصادية حتى يتخذ الحزب قرار إعادة فتح المطمر.