دخلَ البلد في سباق واضح ما بين التوتّر السياسي وجهود التبريد، وانتقلَ الكباش السياسي من طاولة الحوار المعلّق إلى أجل غير مسمّى، إلى الحكومة المشلولة أصلاً.
إذا كان قطوع جلسة مجلس الوزراء قد تمّ تمريره بانعقاد جلسة تشاورية لا تقريرية، وذلك كمخرج وسطي يَحفظ ماء وجه الجميع، فإنّ الاشتباك السياسي المحتدم بين «التيار الوطني الحر» وسائر القوى السياسية، وضَع مصير الحكومة على المحك، والايام القليلة المقبلة ستحدد المآل الذي سينتهي اليه، فإما أن يُعاد نفخُ الروح فيها، وإما أن تبقى على حالها الراهن، كحكومة لا معلّقة ولا مطلقة، وإما تدخل في كوما لا سقفَ لها.

ولفت ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره رداً على سؤال عمّا إذا كان ما حصل في مجلس الوزراء بروفة للتعطيل: يبدو أنّنا سنعتاد طويلاً على هذا الأمر.

الصورة العامة الماثلة على المسرح السياسي منذ تعليق جلسة الحوار الوطني، تشي بأنّ القوى السياسية على اختلافها معلّقة على خط التوتر العالي، كلّ طرف متحصّن بموقفه خلفَ متراسه مع قصفٍ سياسي متبادل في المجالس والصالونات وفي وسائل الإعلام.

وكان لافتاً أمس، توجّه «التيار» نحو بكركي لعرض موقفِه، وأوفد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»النائب ميشال عون النائبَين حكمت ديب ونعمة الله أبي نصر للقاء البطريرك الماروني الكاردينال ما بشارة بطرس الراعي.

وعلمت «الجمهورية» انّ الوفد وضَع البطريرك في صورة التطورات الأخيرة وما جرى على طاولة الحوار، إضافةً الى الخطوات التي يحضّر» التيار» القيام بها.

وأكّد الوفد للراعي أنّ بكركي كانت وما تزال حريصة على الصيغة اللبنانية، فهذه الصيغة مهدّدة اليوم، كما وأنّ العيش المشترك مهدّد.

من جهته، أكّد البطريرك للوفد الحرصَ على العيش المشترك، وكما فيه مصلحة للمسيحيين فيه مصلحة للمسلمين. مشدّداً على رفضه أن يكون المسيحيون مغبونين. وأبلغَ الوفد أنّه بصَدد القيام باتصالات حثيثة قريباً جداً مع القادة المسيحيين على اختلافهم، وسيبدأها اليوم بلقاء النائب سليمان فرنجية.

في هذا الوقت، نقلَ زوّار عون شكواه من «أن لا أحد يتكلّم معي بعدما أعطى المرشّح الأساسي المسيحي كلمته.. لم أقل مرّة إنّني لن أحاور أحداً، هم لا يريدون أن يحاوروني».

وذكرَ الزوّار أنّ عون يتحدث بلغةٍ إيجابية عن الرئيس سعد الحريري وبلغةٍ سلبية عن الرئيس فؤاد السنيورة، إذ يعتبره رأسَ حربة معارضي ترشيح عون داخل تيار «المستقبل».

وعكسَ الزوّار تشاؤمَ عون إزاء مستقبل الاوضاع إذا لم تتحرّك الامور إيجابياً في شأن الاستحقاق الرئاسي، كما عكسوا قوله للمتحدّثين عن الضمانات غامزاً من قناة «المستقبل»: هل جاء أحد يتحدّث معي في هذه الضمانات ليتبيّن له أنّني قادر على تقديمها أم لا؟

مشاورات قبل الجلسة

وسط هذا الجو، كانت جلسة مجلس الوزراء امس، محطة أرادها «التيار» لإيصال رسالة سياسية مكمّلة للرسالة التي اطلقَها الاثنين الماضي بإعلان انسحابِه من الحوار، مع التأكيد على عدم ميثاقية الجلسة فيما لو انعقدَت واتّخذت قرارات في غياب وزراء «التيار» وحزب الطاشناق، فيما كان رأي أهل الحكومة مغايراً تماماً للتوجّه العوني، ومؤكّداً عقدَ جلسة كاملة المواصفات، وعدم القبول بتأجيل موعدها لكي لا يفسّر ذلك انصياعاً لرغبة «التيار»، بما يسَلّفه «نصراً سياسياً»، ما قد يَجعل من عقدِ جلسات لاحقة لمجلس الوزراء بالأمر الشديد الصعوبة.

ومع إصرار «أهل الحكومة» على عقدِ الجلسة، بدا «التيار» وكأنه وحيد، خاصة وأنّ الأجواء التي سادت قبل الجلسة أوحت بأنّ «حزب الله» سيَحضر الجلسة، ولكن من دون أن يشارك وزيراه في القرارات التي يمكن أن تُتّخذ. هنا تؤكّد المصادر الموثوقة، أنّ الحزب استشعَر حساسيّة الوضع ودقّتَه، وبأنّ حليفه العوني وحده في الميدان، وأنّ هناك في مكان ما مَن يسعى إلى كسرِه سياسياً ومعنوياً من خلال عقدِ جلسة تُتّخذ فيها القرارات في غياب وزراء عون.

من هنا درسَ الحزب كلّ الاحتمالات، وقرّر مجاراة حليفِه وعدمَ المشاركة في الجلسة، علماً أنّ الحزب تكوّنت لديه قناعة مسبَقة بأنّ حضوره جلسة الأمس يعني بشكل مباشر أو غير مباشر أنّه شريك في محاولة كسرِ عون.

وتبعاً لذلك، كما تقول المصادر، فإنّ الحزب أجرى عشية الجلسة جولة واسعة من المشاورات والاتصالات لنزع الفتائل السياسية التي كانت على وشكِ الاشتعال، أكّد خلالها ضرورةَ تجاوز هذا المأزق خشية تفاقمِه أكثر، لأن الوضع لا يحتمل ويَرفع التصعيد السياسي إلى المستوى الأعلى.

وبرَز موقفه جلياً في بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» التي أوضَحت انّ وزيرَي الحزب تغيّبا عن الجلسة لتلافي «ارتدادات الخلافات القائمة» وإفساح المجال «لإجراء الاتصالات بهدف إعادة الامور الى مجاريها».

من هنا، تضيف المصادر، بادرَ الحزب في اتّجاه بري وأبلغه ليل الاربعاء الخميس قرارَه بعدم المشاركة، كما اتّصَل بسلام متمنّياً عليه تأجيلَ الجلسة، إلّا أنّ رأي سلام كان مختلفاً، ومؤكّداً الاستمرار في عقدِها لضرورات تُحتّمها هيبة الرئاسة الثالثة.

وقالت المصادر إنّ القرار نفسَه أبلغَه الحزب إلى عون الذي تلقّاه بارتياح شديد، وكذلك ابلغَ هذا الامر الى فرنجية، الذي قالت المصادر إنّه كان متجاوباً وأكّد للحزب» أنّكم إن قررتم عدمَ حضور الجلسة فأنا لن أحضر». وهناك مَن فسّرَ تجاوبَه هذا بأنّه أراد إعطاءَ صورة أنّ المشكل ليس مسيحياً ـ مسيحياً.

وجاءت هذه المساعي في وقتٍ كان سلام يتلقّى عرضاً ( قيل إنه مؤيّد من «التيار الوطني الحر»)، يقول بالعودة عن قرار التمديد للّواء محمد خير، وتعيين بديل عنه، مع موافقة ضمنية على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ويفيد العرض «أنّه إذا كانت هناك مشكلة في تعيين قائد جديد للجيش ترتبط بعدم وجود رئيس للجمهورية، ونحن نتفهّم ذلك، فأين المشكلة في تعيين ضابط بديل لخير، ولماذا لا يتمّ تعيين بديل عنه؟».

وعلمت «الجمهورية» أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم هو مَن حملَ الطرحَ لسلام بتكليف من عون مباشرةً، ونقلها الى»المستقبل» عبر وزير الداخلية نهاد المشنوق، كما حملَ أفكاراً أخرى للنقاش بقيَ البحث حولها مفتوحاً.

وقالت أوساط سلام لـ«الجمهورية» إنّه رفضَ هذا الطرح جملةً وتفصيلاً كونه طرحاً غيرَ منطقي، لا يجوز كسرُ قرارٍ سبقَ أن اتّخذ. علماً أنّ هذا الطرح، وكما تقول مصادر وزارية، كان محلَّ نقاش في مجلس الوزراء، حيث انتقده أكثرُ مِن وزير، واستغرَبوا أن يتراجع شعار الميثاقية وحقوق المسيحيين المهدورة الى مستوى إلغاء قرار التمديد لخير، واعتبَروا أنّ المسألة لا علاقة لها بالميثاقية ولا بحقوق المسيحيين، بل إنّ هناك اهدافاً سياسية تتمّ تغطيتها بعناوين كبيرة مع الأسف».

ونفَت أوساط سلام ما تردَّد عن تلويحه بالاستقالة، مستبعدةً إمكان تطيير الحكومة، وقالت: الحكومة نتاجُ توافقٍ بين القوى السياسية الاساسية بالبلد، وهذا التوافق ما زال سارياً.

وحتى الآن المعطيات تؤكّد أنّ الجميع يتعامل معها باعتبارها الملاذ الأخير للمؤسسات الدستورية المعطلة أو المشلولة، ولا أحد من القوى الاساسية يريد التفريط بها، سواء من حركة «أمل» أو «حزب الله» أو تيار»المستقبل» أو الحزب التقدمي الاشتراكي أو «المردة». كلّهم ما زالوا يؤكدون التمسّك بالحكومة.

وأكّدت الاوساط انّ الحكومة «تفرط» عندما يقرّر الجميع ان «يفرطوها»، وهي الآن لم تدخل في الكوما بالكامل، هناك اسبوعان حاسمان، إن امكنَ الوصول إلى حلول ومخارج تعود الامور الى مجاريها، ولكن إن بقيَ التشنّج قائماً فيجب ترقّب ما قد يَصدر عن سلام الذي قال صراحة في جلسة مجلس الوزراء أمس: الحكومة هي السلطة التنفيذية، وظيفتُها أن تُسيّر أمور البلاد إذا وصلت الى مرحلة وتعطّلت كلياً، ففي هذه الحالة لا لزوم لها.
وكانت جلسة مجلس الوزراء قد انعقدت امس في غياب وزراء «حزب الله» والطاشناق و»التيار الوطني الحر» و»المردة».

وقالت اوساط سلام لـ«الجمهورية» إنّ الجلسة عبرت بالتي هي أحسن، فيما اعتبرَت مصادر وزارية انّ مقاطعة وزراء الحزب هي «مَسك واجب»مع حليفه «التيار» ، ومقاطعة «المردة» هي «مَسك واجب» مع حليفه «حزب الله» وليس مع وزراء «التيار».

مسار الجلسة

وفتَحت الجلسة النقاشَ على المواقف السياسية، وأجمعَ الوزراء، رغم انتقادهم الشديد لطريقة الأداء»العوني» داخل الحكومة وطاولة الحوار، على إعطاء مجال لتهدئة الأجواء والتفاهم.

ووصَف الوزير نهاد المشنوق الحكومة بأنّها «حكومة مأزومة وحكومة أزمة منذ اللحظة التي لم ننتخب فيها رئيساً للجمهوية». وأشار الى أنّ جلسة الحوار هي «جزء من أزمة وطنية كبرى في البلد»، واعتبَر انّ مشاركته في جلسة مجلس الوزراء هي «اعتراض على الاسلوب الذي استعمِل في جلسة الحوار الذي هو أقلّ ما يُقال عنه غير جامع وطنياً».

لكنّ المشنوق شدد على ضرورة «أن تكون قاعدة جلسة مجلس الوزراء هي الاستيعاب وليس المواجهة» داعياً سلام «إلى الاستمرار في سياسته والقيام بخطوات إيجابية للبحث في سبل استعادة ثلاث قوى رئيسية غائبة الى طاولة مجلس الوزراء».

وأكّد الوزير سجعان قزي ضرورة تحصين الحكومة بإجراء اتصالات مع الوزراء المعتكفين واقترَح ان تعلّق الجلسة «ليس لأنها غير ميثاقية أو دستورية، إنّما كرسالة للمعتكفين بأنّ الحكومة حريصة ان تكون المشاركة جماعية.

وقال الوزير علي حسن خليل: سمعنا كلاماً عن تسوية تقضي بتعيين بديل عن اللواء محمد خير مع القبول بالتمديد للعماد جان قهوجي كمخرج، فإذا كان هذا هو الطرح فأنا أسأل؛ هل يتم الدفاع عن حقوق المسيحيين هكذا؟

أبو فاعور

وقال الوزير وائل ابو فاعور لـ«الجمهورية»: إنعقاد الجلسة أتى على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم». طرِحَت صيغ كثيرة لكنّها تتجاوز الموضوع الأساسي ولا علاقة لها بالميثاقية، إنّما بتنفيذ مطالب سياسية.

التسوية التي طرَحها «التيار الحر» رفضَها رئيس الحكومة وأكثرُ من طرف، وعلينا ان ننتظر ماذا سيَحصل بعد الأعياد. كلّ الاطراف داخل الجلسة أبدت حرصَها على الحكومة وإعطاء المجال لمزيد من التواصل السياسي بانتظار العلاج.

شهيّب

وقال الوزير أكرم شهيّب لـ«الجمهورية»: الجلسة تحوّلت نقاشاً سياسياً بالكامل، والجميع كان حريصاً على استقرار المؤسسات ووحدة الصفّ الحكومي، والنقاشات أكّدت ضرورة إعطاء فرصة لمزيد من التشاور من أجل حفظِ البلد والمؤسسات.