اذا صح ان جلسة مجلس الوزراء امس بكل ما شهدته من ملابسات ومواقف واصطفافات أدت بنتائجها ودلالاتها الى انقاذ الحكومة من انهيار كاد يكون محققاً، فإن ذلك لم يكن الا نتاج "وصفة" سميت معها الجلسة "ميثاقية وتشاورية" للحفاظ على ماء الوجوه المأزومة والمسودة، فلا مات ذئب المقاطعين ولا فني غنم المشاركين، لكن الواقع الحكومي خرج واقعياً مثقلاً بمأزق آخذ في التزايد وواضعاً البلاد أمام مزيد من المتاهات والتداعيات.
في هذه الجلسة التي بالكاد انقذ نصاب الثلثين الالزامي لانعقادها بفعل معاندة مشهودة لرئيس الوزراء تمّام سلام والوزراء الرافضين ممارسة التعطيل، أُعيدت اصطفافات سياسية كانت بددتها المعركة الرئاسية وأملتها موقتاً على الأقل حسابات مثل تلك التي جعلت وزراء كل من "التيار الوطني الحر" والطاشناق و"حزب الله" و"المردة" يأتلفون في مشهد مقاطع للجلسة أسوة بالمقاطعة التي يعتمدونها لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية. لكن ذلك لم يحجب حقيقة أخرى موازية هي ان "حزب الله" و"المردة" وقفا الى جانب المقاطعين من دون التخلي عن اعتبار الحكومة خطاً أحمر ليس مسموحاً تجاوزه. وهو موقف وجد ترجمته المباشرة في بيان "كتلة الوفاء للمقاومة" الذي شدد على اقتناع الكتلة بضرورة استمرار الحكومة في القيام بمسؤولياتها والافساح أمام إجراء الاتصالات بهدف اعادة الامور الى مجاريها، موضحاً مبررات دعوة "حزب الله" الى تأجيل الجلسة وعدم مشاركة وزيريه فيها. كما ان الكتلة دعت الى معاودة الحوار الوطني "كضرورة ومصلحة لجميع المكونات اللبنانية".
ولخصت مصادر وزارية لـ"النهار" ما انتهت اليه الجلسة أمس فقالت إن الحكومة إجتمعت على رغم غياب أكثر من مكوّن من مكوناتها، مشيرة الى ان دستورية الجلسة وميثاقيتها ليستا بالقرارات التي تصدرها وإنما بإنعقادها. ولاحظت أن "حزب الله" الذي غاب وزيراه عن الجلسة لم يطعن فيها مما يعني أن غيابه لا يعني فقداناً للميثاقية الشيعية، كما أن غياب وزيري "التيار الوطني الحر" لا يعني فقدانا للميثاقية المسيحية. ووصفت غياب وزيريّ الحزب بأنه جاء لمؤازرة التيار بعدما جرت إتصالات على أعلى المستويات لممثلين للعماد ميشال عون مع الحزب الذي إختار الغياب الموقت عن الحكومة ليس لإنقاذها فقط وإنما لإنقاذ الحوار النيابي أيضا. وأوضحت أن غياب وزير "تيار المردة" روني عريجي كان أيضاً للتضامن مع "حزب الله". وأفادت ان إجماعاً ساد الجلسة أمس وخصوصاً من الجانب الشيعي على ان الميثاقية ليست مزاجية. وكشفت ان إقتراحاً نقل بالواسطة الى الجلسة يقضي بالتراجع عن تمديد ولاية الامين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير في مقابل القبول بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، لكن المجلس أجمع على رفض الاقتراح إنطلاقاً من أن الحكومة ليست في وارد التراجع عن قرارات سبق لها ان وافقت عليها. وشددت على رفض خيار إستقالة الحكومة لتتحوّل الى حكومة تصريف أعمال وأن الرئيس سلام في موقف الصمود دفاعاً عن المؤسسة التي هي الاخيرة المؤهلة للتعامل مع المجتمع الدولي. ولفتت الى ان الحكومة دخلت منذ يوم أمس في إجازة قد تستمر أسابيع إلا إذا أثمرت الاتصالات في عودتها الى الانعقاد.
وقائع
وأوردت المصادر تفاصيل عن مجريات الجلسة فقالت إنه بين اصرار رئيس الوزراء على عقدها، ومطالبة "حزب الله" بتأجيلها، انعقدت الجلسة على حافة النصاب وتحوّلت الى جلسة لمناقشة الأزمة السياسية. وبذلك لم ينكسر رئيس الوزراء الذي أصرّ وفريقاً من الوزراء على عقدها، ولم ينكسر من يقاطعها. كما ان الوزير ميشال فرعون لم ينكسر، فهو كان يأبى تأمين النصاب، وعاد وأمّنه بعدما تحوّلت الى جلسة تشاورية من دون جدول أعمال ولا قرارات. وفي مداخلته قال إنه تفادى بحضوره تهديد الرئيس سلام بالاستقالة ولتستمرً الحكومة متمنياً ادارتها بالتوافق.
ويذكر ان وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي تغيّب عن الجلسة السابقة، أعلن في مداخلته انه حضر اعتراضاً على ما استخدمه الوزير جبران باسيل في الحوار من اسلوب غير جامع وطنياً. وشدّد على ان قاعدة هذه الجلسة "الاستيعاب وليس المواجهة"، معتبراً أننا في حكومة أزمة مأزومة في ظلّ الفراغ الرئاسي، وان جلسة الحوار هي "جزء من ازمة وطنية كبرى في البلد".
وعلم ان الكباش الذي قسم الحكومة كاد ان يؤدي الى استقالة رئيسها الذي ربط بقاءها بانتاجيتها. ورئيس الوزراء لم يكن وحيداً في المواجهة. ووقف معه عدد من الوزراء تقدّمهم الوزير بطرس حرب رافضاً "الابتزاز". ومما قال في مداخلة نارية: "لا أحد منا لديه الرغبة بالبقاء يوما ًفي هذه الحكومة في ظل الاهانات اللاحقة بنا من الناس ومن القوى السياسية بعدما تسبب البعض بانحطاط في المستوى السياسي الى درجة بات الواحد منا يخجل من القول بانه سياسي". وأضاف: "اذا كان فريق قادراً على تعطيل مجلس الوزراء فإنه في المقابل هناك فريق آخر قادر على تطيير مجلس الوزراء وأنا شخصياً لم أعد قادراً على التحمل ولن يلومنا أحد مستقبلاً في حال تكررت المسألة اذا وضعنا استقالتنا أمام دولة الرئيس".
وأكدت المصادر أن الطرح الذي ً قدّم كتسوية بأن يتم التراجع عن التمديد للواء محمد خير في مقابل غضّ النظر عن التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورفض كان حمله اللواء عباس ابرهيم من خلال الوساطة التي تولاها الى الرئيس سلام فرفضه، كما طلب من الوزير نهاد المشنوق نقله الى الرئيس سعد الحريري و"تيار المستقبل" لكنه رفض انطلاقاً من أن التمديد لخير جاء بعد فشل التعيين في مجلس الوزراء ولا يجوز العودة عن قرارات اتخذتها الحكومة. وبعدما كانت نفت مصادر "التيار" علمها بهذا الطرح فور شيوعه، كرر "التيار" هذا النفي لاحقاً ببيان أكد فيه "موقفه المبدئي من رفض التمديد"، داعياً من يهتم بانتاجية الحكومة الى "ان يسيّر ملفاتها العديدة المتوقفة والمتصلة بشؤون الناس كالكهرباء والمياه والنفط والاتصالات والنقل وغيرها المعطّل بفعل مراعاة المصالح الخاصة على حساب مصلحة الناس".