انعقدت جلسة مجلس الوزراء أمس، على حافة النصاب، بـ «اللي بقيوا». صحيح انها كانت جلسة دستورية على «الورقة والقلم»، لكن ذلك لم يحجب او يملأ الفراغ الذي خلفه غياب أطراف اساسية هي «التيار الحر» و«حزب الله» و «الطاشناق» و«المردة».
ولعله يمكن القول، إن الغائبين كانوا ابرز الحاضرين، باعتبار ان مقاطعتهم تعكس ازمة سياسية ـ وطنية لا يمكن تجاهلها او اهمالها، ولو ان مشاركة 16 وزيرا أمّنت بالمعنى العددي الشرعية الدستورية «الجافة» للجلسة.
وليس أدل على حساسية وضع الحكومة، من ان مصيرها أمس كان في يد ميشال فرعون الذي تحول بين ليلة وضحاها من وزير للسياحة الى «الوزير الملك». نجح فرعون الحكومة «المدلل» في انقاذ النصاب، وسمح بانعقاد مجلس الوزراء وفق الشرط الذي وضعه وهو عدم مناقشة أي بند على جدول الاعمال وبالتالي عدم اتخاذ أي قرار.
وهكذا، بدت الجلسة «النحيفة» اقرب الى «منتدى» لتبادل الآراء والافكار حول مفهوم الميثاقية وكيفيّة الخروج من الازمة، على أمل ان يبتكر الوسطاء حلا ما، يعيد الوزراء «المهجرين» الى الحكومة، وذلك خلال فسحة العطلة الطويلة التي تبدأ مع عيد الاضحى وتستمر الى حين عودة الرئيس تمام سلام من رحلته الى الامم المتحدة.
وحتى ذلك الحين، كان واضحا ان جولة أمس انتهت بالتعادل السلبي: سلام لم يتراجع وتمكن من عقد «اجتماع قانوني» لمجلس الوزراء، والمقاطعون نجحوا من جهتهم في سحب عصب الاجتماع وتعطيل جدواه.
لكن هذا النمط من الجلسات ليس من النوع الذي يمكن ان يدوم طويلا، فلا سلام يستطيع ان يستمر من دون «النصف السياسي» الآخر المتمثل في «حزب الله» و «التيار الحر»، ولا الحزب والتيار يحتملان البقاء خارج حكومة استثنائية تجمع بين صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية.
وقد بدا واضحا ان تضامن الحزب مع عون، منح المقاطعة البرتقالية لمجلس الوزراء «قيمة مضافة» وحال دون أي محاولة لاستفراد الجنرال انطلاقا من إساءة فهم حرص حزب الله على بقاء الحكومة، لان هناك من اعتقد ان الحزب سيغلّب هذا الحرص على مقتضيات التحالف الذي يجمعه بعون، ما شجع البعض على إهمال مطالب التيار والتقليل من شأن غيابه عن الحكومة.
ولعل من حسنات هذا «التضامن» انه يخفف نسبيا من حدة البعد الطائفي للازمة المستجدة، ويعطيها معنى سياسيا أكثر وضوحا، على قاعدة الاصطفاف بين فريقين مختلطين طائفيا، لكل منهما تفسيره للميثاقية.
وإذا كان وقوف حزب الله الى جانب عون في معركته الحكومية هو أمر يمكن فهمه، إلا ان المفاجأة كانت في انضمام الوزير روني عريجي الى سرب المقاطعين، بعد أيام قليلة من المواجهة العنيفة بين الوزير سليمان فرنجية والوزير جبران باسيل على طاولة الحوار.
ويبدو واضحا ان موقف «المردة» يعكس رغبة في مسايرة الحزب، لا عون، في إشارة الى ان بنشعي لا تزال مهتمة بالمحافظة على التناغم مع حزب الله، برغم استمراره في دعم ترشيح الجنرال على حساب فرنجية.
وبينما كشف الوزيران سجعان قزي وعبد المطلب حناوي عن فشل اقتراح وافق عليه الوزير جبران باسيل، وفحواه ربط العودة الى الحكومة بالتراجع عن قرار التمديد للواء محمد خير وتعيين ضابط بديل له، في مقابل القبول بالتمديد للعماد جان قهوجي.. نفى «التيار الحر» ما ورد على لسان بعض الوزراء، مؤكدا ان موقفه مبدئي من رفض التمديد ولا علاقة له بالأشخاص او الاحداث، وهو مع تحقيق الشراكة الفعلية والميثاقية لتصحيح الخلل وانتظام عمل المؤسسات.

بري... والمهل
الى ذلك، اعتبر الرئيس نبيه بري امام زواره امس ان الوقت يداهمنا، على وقع تعطل المؤسسات، الواحدة تلو الاخرى، منبها الى ان الفترة الممتدة حتى شهر كانون الاول المقبل تشكل الفرصة الاخيرة لننجز شيئا ما على مستوى تحقيق التسوية، أما إذا وصلنا الى كانون الاول من دون ان نكون قد اتفقنا، فان ذلك يعني ان الانتخابات النيابية ستتم حكما على اساس قانون الستين، باعتباره القانون النافذ، بمعزل عن موقفنا منه.
ويجزم بري بان الانتخابات النيابية حاصلة حاصلة، حتى لو اضطررنا الى اجرائها على أساس قانون الثلاثين وليس الستين فقط، ولن يكون هناك تمديد ليوم واحد.
ويشير بري الى ان الحل ربما يأتي في نهاية المطاف عن طريق الانتخابات التي قد تطلق دينامية جديدة من شأنها خلط الاوراق، لافتا الانتباه الى ان السيناريو المفترض في هذه الحال هو ان يلي الانتخابات النيابية انتخاب هيئة مكتب المجلس ثم انتخاب رئيس الجمهورية بعد ذلك فورا، طبعا تحت مظلة التوافق، خصوصا ان بعض التحالفات المستجدة قد تساهم في تغيير معادلة الستاتيكو الحالي.
ويرى رئيس المجلس ان ما حصل على طاولة الحوار يشبه لعبة البلياردو، حيث ان تعليق «التيار الحر» مشاركته كان يهدف الى إصابة كرة الحكومة، لان مشكلة التيار هي مع الحكومة وليست مع طاولة الحوار التي لن أبادر الى إعادة إحيائها إلا إذا اذا توافرت شروط إنجاحها.
وعن الواقع الحكومي بعد تغيب عدد من المكونات عن مجلس الوزراء أمس، يقول: ربما سيكون علينا ان نعتاد على هذه الحالة التي قد تتكرر.
ويستغرب بري تحذير الوزير باسيل من توقيع أي مرسوم او قرار في ظل غياب التيار عن الحكومة، لافتا الانتباه الى ان الوزراء لن يقبلوا طويلا بان يحضروا من دون ان يوقعوا على المراسيم والقرارات التي يصدرونها، لان ذلك يحوّل مجلس الوزراء الى مجرد «ديوانية».

السنيورة... والحساسيات
في هذا الوقت، ينفي الرئيس فؤاد السنيورة ان يكون هو المحرض على منع ارجاء جلسة مجلس الوزراء أمس، متسائلا في كلامه لـ «السفير»: هل الرئيس تمام سلام قاصر، وهل يحتاج الى من يحرضه؟ ويضيف: ان هذا الاتهام لا أساس له من الصحة، وهناك من يبحث دائما عن شماعة ليعلق عليها أخطاءه.
ويشير السنيورة الى وجود سوء فهم مقصود للدستور الذي لا يترك مجالا لاي التباس، وهو يحدد بوضوح ان الحكومة عندما تتألف يجب ان تضم ممثلين عن كل المكونات، أما بعد تشكيلها فانها تخضع الى قواعد النظام الديموقراطي البرلماني، بحيث إذا استقال ثلث أعضائها تفقد شرعيتها وقدرتها على الاجتماع، وليس إذا تغيب عنها عدد من الوزراء.
ويلفت الانتباه الى ان 16 وزيرا من كل الطوائف والاتجاهات كانوا حاضرين في جلسة الامس، وبالتالي فهي كانت محصنة دستوريا، مشددا على انه لا يجوز ان يكون هناك وزير بسمنة وآخر بزيت، كما يروج البعض ممن يفترض ان ميثاقية الحكومة تتوقف على حضوره.
ويتابع: عندما جرى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري ساورني شعور بالغضب الشديد، ولكن عندما تمعنت في الدستور تبين لي انني لست محقا في الغضب لانه تم اسقاط الحكومة بطريقة مشروعة دستوريا عبر استقالة أكثر من ثلث الوزراء، بمعزل عن البعد السياسي لما حدث.
وحين يقال له ان وضع الحكومة الحالية يتجاوز الاطار الدستوري المحض ليترجم ازمة وطنية بفعل الاحتقان المسيحي السائد، يجيب: ومن قال انه لا يوجد احتقان اسلامي ايضا... ان ما يدلي به الوزير جبران باسيل يوقظ الحساسيات عند شرائح واسعة من المسلمين ويعزز نزعة التشدد لدى بعضهم.
ويستغرب السنيورة ما تسرب حول استعداد «التيار الحر» للتهدئة السياسية والعودة الى مجلس الوزراء إذا تم تعيين بديل عن اللواء محمد خير والتراجع عن التمديد له، متسائلا: هل اصبحت المعركة الوجودية تُختصر بمسألة اللواء خير؟
وكعادته في ضرب الامثال لإيصال الرسائل السياسية، يقول السنيورة: يصح في خطاب «التيار الحر» المثل القائل: يلّي فيكي بتحطي فيي..
سلام... والاستقالة
أما أوساط سلام فأكدت لـ «السفير» انه ضنين على المصلحة الوطنية، مشيرة الى انه محكوم بالبقاء في موقعه لان الحكومة حلت مكان رئيس الجمهورية، وبالتالي فليس سهلا عليه ان يتخذ القرار بالاستقالة.
وتشير الى ان النقاش في مجلس الوزراء امس اتسم بالمسؤولية وكان هناك تحسس من الجميع بخطورة الموقف، معتبرة ان غياب حزب الله عن الجلسة يحول الازمة الحكومية من ميثاقية كما كان يحاول ان يصورها «التيار الحر» الى سياسية.
وحذرت الاوساط من مخاطر التمادي في تعطيل الحكومة في هذا التوقيت، لافتة الانتباه الى ان هناك استحقاقات مالية داهمة، يجب الايفاء بها.