أولاً: أيام غازي كنعان..
وكنعان للتذكير كان رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات العربية السورية، هذه المنصب كان يُخفي مهمته الرئيسية، وهي الحاكم الفعلي للبنان من قبل الرئيس حافظ الأسد، وبعد دخول اتفاق الطائف حيز التنفيذ، وانتخاب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية، وقّع الرئيسان الأسد والهراوي في أيار عام ١٩٩١ "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" بين بلديهما، وصادق عليها مجلس النواب اللبناني بعد ستة أشهر، واعقبتها "اتفاقية الدفاع والأمن المشتركين". وعشية نشر معاهدة الصداقة والتعاون، أدلى العقيد غازي كنعان بالتصريح التالي للصحافة اللبنانية:
" أنتم اللبنانيون أذكياء ومبدعون وتجار ناجحون، قريباً ،سوف يأتي إليكم ١٢ مليون من جيرانكم السوريين، أنشئوا الصناعات الخفيفة، مارسوا التجارة، تعاطوا الإعلام الخفيف الذي لا يتعارض مع الأمن، تألّقوا عبر العالم بابتكاراتكم ولكن اتركوا السياسة لنا،لكلٍّ مجاله في لبنان: مجالكم التجارة ومجالنا السياسة والأمن."
وكان قد سبقه إلى ذلك مُنظّر البرجوازية اللبنانية ميشال شيحا عندما قال قوله المشهور للبنانيين: enrichissez-vous أي: أثروا.
إقرأ أيضا : اقتلاع الشعوب من مواطنها: من مكة المكرمة إلى فلسطين إلى سوريا
ثانياً: باسيل على خطى كنعان..
يحذو الوزير جبران باسيل المرحوم كنعان حذو النعل بالنعل، فهو يصرّ على تقلُّد المنصب الأول في البلد، أو يُعطّله، وباقي اللبنانيين مجموعة "تجار" على قول كنعان، عليهم أن يُسلّموا رقابهم في السياسة، بعد أن كان حليف باسيل قد أحكم قبضته على الأمن، وإذ لا يملك باسيل ما كان يحوزهُ كنعان، وتنتصب في وجهه ممانعة سياسية وشعبية، فلا بُدّ من التعطيل، أمّا سلاح التعطيل الماضي فهو: الميثاقية، وهذه الوصفة السحرية لم يكن ليكتب لها نجاح أو حياة، لولا ورقة التفاهم بين الجنرال عون وحزب الله، ولا سيّما بعد أن عضدت هذا التفاهم ورقة مشابهة مع قائد القوات اللبنانية، لكن يبقى فارق جوهري بين أيام كنعان وأيام باسيل، ففي زمن كنعان كانت سوريا هي الضامنة لاستقرار البلد، وضبط نزاعات أهل السلطة فيه، بينما في أيام باسيل، قد يسقط ما تبقّى من هذه الدولة المتهالكة تحت وطأة معاول "ميثاقية" باسيل، ورغم كل التحذيرات من المضي في اللعب الصبياني في النار، سيّما أنّ نيران المنطقة المشتعلة ليست ببعيدة، ولا البلد مُحصّن إزاءها، ومع ذلك ،ومع نُصح الناصحين، وخوف الغيارى، فإنّ باسيل يواصل مغامرته، مؤيداً من حزب الله ، وطأطأة رؤوس من كان يفترض بهم التصدي له، وعلى رأس هؤلاء قائد القوات اللبنانية.