موضوع تسليح الجيش اللبناني ليس جديداً على ساحة التجاذبات السياسية، فمنذ تأسيسه حتى اليوم يشكّل مصدرُ التسليح جدلاً بيزنطياً لا نهاية له، أما الحجة «المشهورة» فهي أنّ إسرائيل تضع شروطاً معيّنة لكي لا يكون للجيش اللبناني تسليحٌ فوق مستوى أو حدٍّ معيّنَين، تفادياً لتشكيله خطراً عليها. لكن ما حقيقة ما حُكي عن أجهزة إسرائيلية موضوعة في طائرات الـ»سوبر توكانو» التي كان منويّاً تقديمها للجيش؟
تاريخياً، كان تسليحُ الجيش غربياً، أيّ أوروبياً وأميركياً وفي أكثريته فرنسياً حتى فترة الثمانينات حين انقلبت المعادلة وباتت أميركا الواهب الأكبر لأسلحة الجيش بعد قيامها بصفقة هي الأكبر في تاريخه، وتقديمها دبابات «M48A1»، ليوضع بعدها حظرٌ في التسعينات وتتوقف المساعدات الأميركية للجيش حتى عام 2008 ويُحرَم لبنان من التسليح الأميركي، وفي هذه الفترة صادر الجيش اللبناني أسلحة الميليشيات المحلولة وأتته مساعداتٌ سورية عبارة عن دبابات «T55» و«T54» إضافة الى ملّالات وشاحنات وسيارات بسيطة من أميركا.
السلاحُ المحرَّم
في تاريخ الجيش حُكي دائماً عن صفقات، ومع كلّ صفقة كان يُحكى عن أزمة معيّنة مثل قضية بيع طائرات «الميراج» وإلغاء صفقة «الكروتال» في الستينات نتيجة وضع إسرائيل «فيتو» عليها لأنّها نظام متطوِّر وهذا المستوى من السلاح محرَّمٌ على لبنان إمتلاكه، ومحاولة الروس سرقة طائرة «ميراج» آنذاك من خلال تقديم رشوة لأحد الطيارين اللبنانيين وهو ما أحبطته مخابراتُ الجيش اللبناني، ولم تُستعمل هذه الطائرات بل أُبقيت في قاعدة القليعات حتى عام 1998-1999 حين بيعت لباكستان على أساس وضعها في متحف، إلّا أنّ الباكستانيين أصلحوها واستعملوها.
وفي الفترة الأخيرة وخصوصاً بعد المعارك في جرود عرسال ورأس بعلبك ضدّ الإرهاب، باتت أميركا تقدّم للجيش اللبناني «مدافع 155»، كما طلبت من الأردن تقديمَ مدافع محمولة على دبابات الى لبنان، وعلمت «الجمهورية» أنه طُلب من الأردن أخيراً منح لبنان دبابات «M60»، التي يملك لبنان بعضاً منها، إلّا أنّ الأردن أعاد ترميمَ مجموعة منها وقد ذهب وفدٌ من الجيش للكشف عليها وستُستقدم قريباً الى لبنان بطلبٍ أميركي، وهذه الأسلحة ستُؤخذ مباشرةً الى الجبهات في البقاع، تماماً كما حصل مع 21 مدفعاً مركّباً على دبابات كان قد قدّمها الأردن الى لبنان في السابق.
أما الهبة الأكبر فكانت لدى تقديم أميركا مدافع وصواريخ وآليات «هامر» مصفّحة، إضافة الى صواريخ «هيلفاير»، والتي تساعد كثيراً في معارك عرسال والحدود، و3 طائرات «سيسنا» التي تؤدي دوراً مهماً في الاستطلاع والتصوير حيث تنقل وقائع المعارك مباشرةً الى غرفة العمليات في اليرزة، أما الإمارات فقدّمت مروحيّات «الغازيل» المركّب عليها صواريخ كالتي استُعملت في معارك نهر البارد، وطائرات «البوما»، التي يعرف عناصر الجيش استخدامها أساساً كما أنه طوّرها وركّب عليها صواريخ ورشاشات، فيما قدّمت للبحرية طرّادات.
مصدرُ التسليح
يتّكل الجيش اللبناني في الوقت الحاضر على مصدرَين من المساعدات العسكرية، الأوّل أميركي والآخر بريطاني، وهذا الأخير لا يركّز على الأسلحة ولكنه يقدّم ما هو مكمّل وأساسي لموضوع السلاح، فهو مهتمّ ببناء كلّ أبراج المراقبة على الحدود المجهّزة بكاميرات ورادارات وأجهزة كمبيوتر، إضافة الى الآليات التي تنقل العسكريين والتدريب عليها.
وفي معلومات خاصة لـ«الجمهورية»، أنّ ما حُكي عن ضغط أميركي لعرقلة التسليح الروسي للجيش، هو غير صحيح، إذ إنّ توقيف هذه الصفقة جاء نتيجة طلب روسيا مبالغ طائلة مقابل هذه الأسلحة وهي صواريخ، دبابات «T72»، وقذائف مضادة للدبابات، ولبنان لا يملك القدرة على دفع هذه المبالغ، وهناك وجهة نظر تقول إنه في حال استطاع لبنان دفع أموال مقابل تسليحه، فالأجدر به دفعها للجهات التي قدّمت له الأسلحة من دون مقابل على مدار السنوات، أي أميركا.
وتضيف المعلومات أنّ قائد القيادة الوسطى فى القوات الأميركية الجنرال جوزف فوتل أبلغ قائد الجيش العماد جان قهوجي لدى زيارته لبنان، أنّ «البنتاغون» يفتح كلّ مخازن ذخيرته لتلبية كلّ حاجات الجيش اللبناني في معاركه ضدّ الإرهاب، وهو مهما احتاج ذخيرة إضافية ستكون الى جانبه، كما أشاد بأداء الجيش على اعتبار أنه يستعمل الأسلحة الأميركية بكفاءة عالية جداً وبأقصى طاقاتها.
أجهزة إسرائيلية؟
بعد صفقة الثمانينات التي وُصفت بالأكبر، كانت ستُعقد أخرى توازيها بالحجم وهي الهبة السعودية التي أوقِفت، ما عرقل ملف تقديم 10 طائرات «سوبر توكانو» برازيلية- أميركية للجيش اللبناني، وبما أنّ لبنان يحتاج اليها بشدة كونها تقلب المعادلات في الجرود إذ يستطيع تركيبَ صواريخ «هيلفاير» التي يركّبها على طائرات الـ«سيسنا»، قرّرت أميركا تمويل ثمنها من برنامج مساعدتها للبنان.
لكن في المقابل حُكي عن وجود أجهزة إسرائيلية مركّبة في هذه الطائرات، وفي هذا الإطار يوضح مصدر معني لـ«الجمهورية» أنه «عند تقديم هبة للبنان، فإنّ أيّاً من الأطراف لا يشترط على الآخر، أي أنّ لبنان لا يشترط على أميركا في أيّ بلد قد تكون قطع الأسلحة مصنّعة، وكذلك أميركا لا تشترط على لبنان الإطار الجغرافي الذي يجب أن يستعمل أسلحته فيه»، مضيفاً: «طائرات الـ»F16» مثلاً مركّب فيها نظام رادار مصنّع في إسرائيل، ومن الممكن أيضاً أن تضمّ آليات «الهامر» قطعاً مصنّعة في إسرائيل إلخ، لبنان ليس مسؤولاً عن ذلك، فالآلية تُقدَّم له كجسم متكامل لا كمجموعة قطع، والجيش لا يملك إمكانية فرط كلّ آلية للتأكد من جهات تصنيعها».
ويشير المصدر الى أنّ «أميركا تعتمد في تركيب طائراتها ودباباتها على الشركات المتعددة الجنسيات، لتأمين القطع الأقل سعراً وبأعلى تقنية، ومن ضمنها إسرائيل»، مؤكداً أنّ «هذه الأمور لا تشكّل خطراً على الأمن اللبناني، ولبنان يحتاجها ولا يمكنه تأمينها من جهة أخرى».
ويكشف المصدر أنّ «هذا الموضوع يُستخدَم لأهداف سياسية لها علاقة بالملف الرئاسي وللتصويب على العماد جان قهوجي، خصوصاً أنّ هذه الطائرات لم تصل الى لبنان، ولا معطيات تؤكد أو تنفي وجودَ قطع مصنّعة في إسرائيل فيها».
الى ذلك تقدّم أميركا مساعدات تدريب لضباط خارج لبنان، وتقيم مناورات مشترَكة، فمثلاً يذهب الى الأردن كلّ عام نحو 110 عناصر من القوات الخاصة للمشارَكة في مناورة «الأسد المتأهّل» التي تشارك فيها 60 دولة، برعاية أميركية ضدّ الإرهاب وضدّ الحرب الكيماوية، وهي عبارة عن عمليات عسكرية مشترَكة، وهناك وفودٌ أميركية تأتي الى لبنان بانتظام تدرّب في كلّ المجالات كالقوات الخاصة، الألوية العادية، الطبابة العسكرية، سلاح الجو، البحرية وغيرها.
واللافت أنّ التقويم الأميركي للجيش اللبناني يشيد بسرعة الاستيعاب، وسرعة التعامل مع السلاح، والتنويه بأنّ التطبيق يأتي دائماً أفضل من التدريب، وهو ما يثير إعجابهم، وأنّ مخزون الذخيرة المُقدّم يُستعمل بدقة ويُستفاد منه لأقصى الدرجات ولا يُفرّط فيه.
وتشير المعلومات الى أنّ سلاح المدفعية بات يغطي الجرود كلها على مدى ساعات طويلة ومتواصلة ما يُرهق الإرهابيين، إضافة الى نوعية الذخيرة والدقة في الإصابات المُحقّقة وغيرها، الأمر الذي قلب المعادلات لمصلحة الجيش وفرض توازناً جديداً في الجرود أدّى الى شلّ حركة الإرهابيّين، أما الإشادة الأكبر فهي أنّ لبنان هو الدولة الوحيدة التي عجز فيها الإرهابيون عن إقامة إمارة أو منطقة مغلقة لهم.
وفي سياق منفصل، وفي ضوء الأزمة الحكومية، فقد طلب رئيس مجلس النواب نبيه برّي من النواب التبرّع بنصف رواتبهم للجيش بعد صدور قرار عدم توقيع المراسيم في الحكومة وتعطّل مجلس النواب، وبالتالي سيُحرم الجيش من رواتبه الشهر المقبل، وفي هذا الإطار تُوجّه أصابع الاتهام نحو الحكومة، إذ في حين انتُقدت دولٌ لتراجعها عن تقديم هبات، فإنّ ما تفعله الحكومة بجيشها أسوأ.
ربى منذر