اذا ما اعتبرنا ان " العصور الوسطى " ليست هي مجرد مرحلة زمنية فقط بل هي فضلا عن ذلك طريقة تفكير لها آلياتها العقلية التي ومن خلالها نقارب كافة الموضوعات , فهذا يعني وعند استعمال نفس هذه الاليات نكون حقيقة نعيش في العصور الوسطى حتى وان كنا في هذا الزمن , من هذه الزاوية اريد ان أطلّ على موضوع الزواج المدني , لانه موضوع لا يتعلق بأفراد او بأسماء انما بما هو عنوان يمكن ان يختصر في طياته عمق ما نعانيه من مشكلات فكرية يؤسس عليها اغلب مشكلاتنا الحياتية في لبنان او في المجتمعات الاسلامية عامة , لذا ومن وجهة نظري ومن موقعي كمسلم فأنا اعتبر ان تبلور مقاربة جديدة حول هذا الموضوع او غيره من الموضوعات المعاملاتية لا بد قبلا من الاجابة عن سؤالين يعتبران بمثابة مدخل اجباري
1- هل يوجد في الاسلام ما يعرف بالاكليروس الديني , او ما يسمى برجل دين ؟
2- هل الاحكام المعاملاتية الواردة بالنص الديني هي احكام ثابتة لكل زمان ومكان ؟
اما الجواب عن السؤال الاول فان كل المفكرين الاسلاميين وحتى المعممين منهم يعتبرون ان لا وجود البتة لما يسمى برجل دين وحتى ان الزيّ الذي يرتدونه ان هو الا بدعة طارئة على التاريخ الاسلامي والجميع هنا يستشهد بحادثة ذلك الاعرابي الذي كان يسأل عند دخوله مجلس رسول الله , من منكم محمد ؟ لان النبي كان كأحدهم ,,
اما بالنسبة للسؤال الثاني وهنا يكمن بيت القصيد حيث يتخطى النقاش حينئذ "الزواج " ليتصل بكل الاحكام المعاملاتية الواردة في الشريعة ( هذا على فرض ثبوتها ) فانني اعتقد جازما ان المقصد الاول والاخير من التشريعات انما هو الوصول الى اعلى درجات العدالة وهذا هو الثابت الموضوعي الاكيد لأن الله تعالى انما يأمر بالعدل " ان الله يأمر بالعدل والاحسان .." وبناءا عليه وبما ان "العدل " هو مفهوم انساني متبدل ومتغير بحسب الظروف والامكنة , فما كان " عدلا " في مرحلة زمنية معينة يمكن ان يتحول الى ظلم في مراحل اخرى ( المرأة لا ترث عقارا ) وعلى ضوء ما تقدم وبناءا على نظرية " فقه المقاصد " التي يتبناها الكثير من المفكرين الاسلاميين الحداثويين واخذين بعين الاعتبار وبما لا يحتاج للنقاش بأن احكام الزواج ومتتبعاته من الطلاق والارث والرعاية وغيرهم المعمول بهم حاليا في المحاكم "الشرعية " فيها الكثير الكثير من الاجحاف والظلم وهذا حتما مناف لروح الشريعة ولانني اعتبر ان مفهوم التقوى الحقيقي هو مرادف لمفهوم العدالة تكون المحصلة الشرعية بنظري ان الزواج المدني هو ... اقرب للتقوى .