إن وزير التربية أصدر قراراً بشطب 5 اسابيع من العام الدراسي، وحذف محاور ودروس من المناهج، بحجة إزالة الحشو في المعلومات وتخفيف الضغط على الطلاب. القرار أتى معزولاً عن سياق المنظومة التعليمية واقتصر على تقليص المحتوى من دون تعديل في طرائق التعليم وتنمية المهارات.
قرر وزير التربية الياس بو صعب شطب 5 أسابيع من السنة الدراسية لهذا العام، ليصبح عدد أسابيع التعليم 23 أسبوعاً (115 يوماً)، بدلاً من 28 أسبوعاً (140 يوماً). على هذا الأساس، أوعز الوزير بو صعب إلى المركز التربوي للبحوث والإنماء العمل على التخفيف من المحاور التعليمية والدروس بما يتناسب مع تقليص وقت التعليم هذا.
المركز التربوي أنجز مهمته في سرعة قياسية، إذ أوقف العمل مؤقتاً بعدد من مضامين ومحاور المناهج الصادرة سابقاً، وأعاد العمل ببعض المضامين الأخرى، وذلك للمرحلتين المتوسطة والثانوية بنسبة تراوح بين 15 و20 %.
قرار بو صعب أخذ طريقه إلى التنفيذ بعد نحو 3 أسابيع من "البشرى" التي زفها إلى الطلاب في ختام مقابلة تلفزيونية حين قال لهم: "سنسعى لتقليل عدد أيام السنة الدراسية كي نطيل العطلة الصيفية. سنقلص الدروس المعطاة في كلّ المواد لأنّها مليئة بالحشو والمعلومات الكثيرة غير المفيدة التي تضيف الكثير من الضغط الذي لا لزوم له على الطالب. فلتكن فنلندا هي المثال الذي نحتذي به، حيث يدرس الطالب 4 ساعات في اليوم فقط، وتخصّص ساعتان منها للأنشطة، وها هي فنلندا تصبح البلد المتميّز بأفضل مستوى تعليمي في العالم".
بو صعب أكد أنّ قراره ملزم للمدارس الرسمية والخاصة على حد سواء، مشيراً إلى أنه اشترط أن يكون التقليص ضمن معايير تربوية محددة وواضحة تخفف من ثقل المادة من دون أن يؤثر ذلك سلباً على الكفايات التي يكتسبها المتعلم.
كيف حصل التقليص ووفق أي معايير؟ تشرح رئيسة المركز التربوي ندى عويجان لـ "الأخبار" أنّ المشروع أتى منسجماً مع مؤتمر" كلنا للعلم" الذي نظمته وزارة التربية في عام 2015، وقد احتضن المركز ورش عمل عدة شارك فيها أساتذة من القطاعين الرسمي والخاص، طاولت موضوعات عدّة، منها اعادة النظر بالقرارات السابقة المتعلقة بوقف العمل ببعض المحاور التعليمية ودروسها ووقف العمل مؤقتًا ببعض مضامين ومحاور المناهج الصادرة سابقًاً. الجدير ذكره أن خطة النهوض التربوية، التي أقرت في مجلس الوزراء في تشرين الأول 1995، حددت أيام السنة الدراسية بـ 36 أسبوعاً (180 يوماً)، إلاّ أنه جرت في مراحل لاحقة محاولات لتخفيف محاور ودروس كان أبرزها عامي 2001 و2008.
المشروع الحالي أعاد، بحسب عويجان، الموضوعات التي تساعد المتعلّم على امتحانات الدخول إلى الجامعات وتتصل بحياته اليومية، ولها علاقة بالمناهج المعتمدة عالميًا. وحذفت، في المقابل، الموضوعات التي لا تتناسب مع عمر المتعلّم، وتتكرر من دون فائدة، ولا تتصل بالحياة اليومية أو التي مرّ عليها الزمن، ولا تأخذ بالاعتبار نمو المتعلّم المتكامل. أما الهدف، كما تقول، فهو تسهيل عملية التعليم والتعلّم واعطاء الوقت الكافي لتحقيق الأهداف التي تتعلّق بالمهارات والمواقف.
إلاّ أن تربويين شاركوا في الورش المذكورة قالوا إنهم فوجئوا بالتعليمات، سائلين: "هل حذف المحاور والدروس سيحل مكان المشروع الأساسي وهو إعادة نظر شاملة في المناهج التربوية المعتمدة منذ 19 عاماً في المدارس الرسمية والخاصة، وخصوصاً أن الوزير بو صعب كرر أكثر من مرة أنّه سيجلب أموالاً من الجهات المانحة لتمويل هذا المشروع الوطني؟ لماذا سيجري حذف 5 أسابيع لا أربعة أو ثلاثة؟ لماذا لم يتضمن القرار نفسه المتعلق بتقليص المحتوى تعليمات واضحة بخصوص استخدام الطرائق التربوية الحديثة في التعليم، وجعل هذه العملية مواكبة للتطورات العلمية والتكنولوجية وتنمية المهارات الذهنية للطالب؟ ومن يضمن أن مجرد التخفيف من الحشو سيغيّر نوعية التعليم ويجبر المعلم على تغيير طرائقه؟ ما هي الكفايات التي سيتعلمها الطالب في 23 أسبوعاً؟ هل ستلتزم إدارات المدارس الخاصة هذا القرار، أم أنّه سيطبق في المدارس الرسمية فقط، وسيزيد التعليم الرسمي تقهقراً؟ هل الحاجة هي لتقليص الساعات أم لإعطاء وقت إضافي لتدريب الطلاب على المهارات المطلوبة؟ هل سيترافق ذلك فعلاً مع تغيير توصيف المسابقات في الامتحانات الرسمية؟".
يرى الباحث التربوي عدنان الأمين أنّه لا يمكن مقاربة المسألة بعزلها عن السياق اللبناني وإجراء مقارنات بدول العالم التي لديها ظروف مختلفة. يقول إنّ مثل هذه القرارات الوزارية يشوبها الارتجال والترقيع ونوع من الاسترضاء لا نعرف لمن، فليس مفهوماً تقديم العام الدراسي إلى أيلول بدلاً من تشرين الأول فيما شهر أيلول هو شهر تحصيل المواسم ولا سيما في الريف، وليس مفهوماً لماذا ينتهي في أيار. وفي سياق آخر، لا يمكن، بحسب الأمين أن نقلّص المحتوى من دون ان يترافق ذلك مع تغيير في باقي المنظومة التعليمية، ولا سيما في تعيين معلمين وتدريبهم وتحديد رواتبهم. برأيه، تقليل الجهد في العمل التربوي يدفع ثمنه بصورة خاصة تلامذة المدرسة الرسمية، فالمدارس الخاصة لديها حسابات أخرى، وظهر في التجربة أن هناك فارقاً جوهرياً بين المدارس الرسمية والخاصة في مقاربة المناهج المعتمدة حالياً.
(الأخبار)