مع خروج التيار الوطني الحرّ من جلسة الحوار الوطني أوّل من أمس، وإعلان الرئيس نبيه برّي تعليق الجلسات، انقلبت طاولة الحوار الوطني من كونها المساحة الأخيرة التي لا تزال تجمع غالبية الفرقاء اللبنانيين، عدا حزب القوات اللبنانية، إلى كونها عنواناً لفشل الحوار، ووصول آخر المسارات المتاحة محلياً إلى طريقٍ مسدود.

وأكمل الوزير جبران باسيل ما بدأه على طاولة الحوار أول من أمس، حول مفهوم الميثاقية، بكلامٍ ناري أمس، بعد انتهاء الاجتماع الدوري لتكتل التغيير والاصلاح، مشيراً إلى أن «التساوي بين المسلمين والمسيحيين هو عمق الأزمة التي نعيشها. فعندما نفقد التساوي، يحل الظلم ونعيش المظلومية مجدداً، وهذه المظلومية تجعل كل شيء مباحاً». وتابع أن «كل مكوّن عاش عقده التاريخية؛ فبعض المسلمين استنجد بالفلسطينيين لرفع المظلومية، وبعض المسيحيين استخدم إسرائيل لحفظ موقعه»، مضيفاً أنه «منعاً لتكرار التجارب، توجهنا بمشاكلنا إلى شركائنا على طاولة الحوار، لأن الميثاق هو نقطة الانطلاق».
وفي حصيلة اتصالات أجرتها «الأخبار» بغالبية الفرقاء السياسيين الأساسيين، حذّر أكثر من مرجع ووزير ونائب من «وصول الأمور إلى تصعيد خطير في البلاد». وأشار أكثر من مصدر إلى أن «تعطيل الحكومة وطاولة الحوار وعدم وجود ضمانات بعودة مجلس النواب إلى العمل في تشرين الأول، وعدم التوصّل إلى حلّ حول قانون الانتخاب، تهدّد الانتخابات النيابية أيضاً، وبوصول النظام السياسي إلى نقطة اللاعودة في وقت انشغال القوى الكبرى والإقليمية عن الأزمة اللبنانية».
التيار الوطني الحّر الذي يتسلّح بـ«غياب الميثاقية»، لم يلحظ تغيّراً في مسار الحكومة عن الجلسة الماضية التي قاطعها، خصوصاً مع الحديث عن عقد جلسة غداً الخميس، ولو في غياب التيار الذي يتّجه إلى المقاطعة. وما حصل في الحوار بالنسبة إلى التيار «غير مشجّع، وبدل أن يكون هناك استيعاب للأفكار التي طرحها باسيل، كانت هناك مواجهة». ويصرّ العونيون على القول إنه «لم يعد مقبولاً الكلام تحت سقف الشراكة والميثاقية، فإما نحن شركاء أو غير شركاء، وأرخص ثمن هو الاعتراف بنا».

 


في المقابل، يستفزّ كلام باسيل أكثر من طرف في فريق 8 آذار، ويكرّر بعضهم القول إن «كلام العونيين مستعاد من الحرب الأهلية، (أنتم ونحن) هو خطاب غير مقبول ويسبّب إحراجاً لحزب الله ولفريقنا الداعم لوصول عون إلى الرئاسة». ورأت مصادر مقرّبة من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أن «كلام باسيل لربما يكون تمهيداً للفدرالية، وفي وقت ترسّم حدود جديدة في المنطقة، تُواكب التحوّلات في لبنان بخطاب متطرّف، وهذا الخطاب هو بمثابة انتحار للمسيحيين، والكلام عن مسلمين ومسيحيين يطال حلفاء التيار». وتوقّفت مصادر نيابية في 8 آذار مشاركة في الحوار أمام عدم تجاوب باسيل مع دعوة النائب محمد رعد للتيار بالتروي خلال الجلسة، مشيرةً إلى أن «باسيل لم يستجب لدعوة رعد بعقد جلسة ثانية مخصصة للميثاقية»، ومعتبرةً أن «رئيس القوات سمير جعجع هو المستفيد الأكبر من هذا الخطاب؛ فأحد حلفاء حزب الله بات يردّد خطاب جعجع، فيما هو يحاول الحفاظ على العلاقة مع تيار المستقبل».
بدورها، قالت مصادر وزارية مقرّبة من رئيس الحكومة تمام سلام إنه «حتى الآن جلسة الحكومة في موعدها، ولا مانع من توقيع قرارات ومراسيم ما دامت ترتبط بهموم الناس». وأشارت المصادر إلى أن «رئيس الحكومة والرئيس (فؤاد) السنيورة استجابا فوراً لطلب النائب رعد، بعد جلسة الحوار، منح مهلة من الوقت للتشاور مع التيار الوطني الحر». لكنّ المصادر أكّدت أنه «لسنا تلاميذ مدرسة يقولون لنا متى نذهب ومتى نعود إلى البيت. رئيس الحكومة استجاب لطلب رعد على أن يصل حزب الله إلى نتيجة، وإلّا فإننا في أزمة وطنية كبرى». واستكمالاً لتحرّك رعد مباشرة بعد الحوار، بدأ حزب الله أمس سلسلة اتصالات بمختلف الفرقاء، لكنّ مصادر بارزة في 8 آذار أكّدت لـ«الأخبار» أن «المساعي لم تصل إلى نتيجة حتى الآن». ومن غير المحسوم عدم عقد جلسة لمجلس الوزراء غداً، مع التأكيد أن «حزب الله طرح، في حال عُقدت جلسة، أن لا يتم اتخاذ أيّ قرارات فيها، إفساحاً في المجال لاستكمال التهدئة مع التيار الحر».
وفي حال فشل وساطة حزب الله، لا تظهر في الأفق أيّ بوادر لحلول قريبة، مع تمسّك غالبية الأطراف بمواقفهم، فيما يتردّد أن التيار الوطني الحرّ اتخذ قراراً بالتصعيد، «في الشارع وغير الشارع، ضد الواقع القائم»، بالتنسيق الكامل مع القوات اللبنانية، التي «وضع رئيسها خطّة للتحرّك المشترك مع التيار على الأرض في مختلف المناطق المسيحية، في حال اتخذ قرار التحرّك». ورأت شخصيات سياسية أنّ التصعيد الذي يقوم به التيار الوطني الحر هدفه حشد القاعدة العونية بغية الإعداد لتحرك كبير في ذكرى 13 تشرين الأول، أسوةً بالتظاهرة التي نُظّمت العام الماضي على طريق قصر بعبدا.
مصادر التيار لا تنفي الإعداد لتحرك شعبي في هذه الذكرى، إلا أنّها أكدت أنّ «التفاصيل لم تُبحث بعد». وهي تنفي أن يكون الهدف من التصعيد الحشد شعبياً. فبالنسبة إلى هذه المصادر، «إن ما كبرت ما بتصغر». وتوضح أنّ الهدف من الضغوط التي تُمارس هو «حثّ الجميع على البحث في صيغة للحل بعد أن يكون الفراغ قد طال معظم المؤسسات الحكومية، عندئذ نضعهم أمام مسؤولياتهم بضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
وتقول مصادر «وسطية» لـ«الأخبار» إن «حزب الله سيكون مجبراً على مجاراة حليفه ميشال عون، ولو أنه لن يشارك في تحرّكات الشارع، لكنّه ليس بوارد التخلّي عن عون في هذه المرحلة الحرجة وترك الساحة لجعجع».
من جهته، قال الرئيس نبيه بري لـ»الأخبار» إن لبنان «أصغر من أن يقسّم. في الماضي فشل تقسيمه، ومن غير الوارد أن ينجح أحد في ذلك الآن».