«اليوم الميثاقية وغداً الفديرالية»، لا بل ان زوار أحد المراجع ينقلون ان الميثاقية انما هي الفديرالية، واليوم يتولى الوزير جبران باسيل تعريتها قطعة قطعة.
القرار هو مواجهة التيار، واذا كان العماد ميشال عون قد قرر الانتحار، فلن ندعه يذهب بلبنان الى الانتحار، ومقولة شمشون «علي وعلى اعدائي (واصدقائي) يا رب»، غير مسموح الوصول اليها على الساحة اللبنانية.
هذا الكلام يتردد في أكثر من محفل سياسي، مع التساؤل ما اذا كان الجنرال الذي يطرح نفسه رئيساً لكل لبنان يحاول ان يطرح نفسه الآن كـ«قائد لتحرير المسيحيين من الفتح الاسلامي»، وهو الذي يعلم اي نوع من المصائب يتخبط فيها المسلمون سنّة وشيعة.
في الغرف المقفلة ان الذي حدث حتى الآن نصف انتحار، ورئيس التيار الوطني الحر يدفع في اتجاه النصف الاخر من الانتحار، وثمة دعوة الى انقاذ الجنرال من ايدي (أو براثن) صهره.
لا بل ان هناك من يسأل أين هو الصهر الاخر العميد شامل روكز وما اذا كان يراهن على سقوط عون وباسيل معاً ليتسلم قيادة التيار الذي يبدو انه يدور من مكان آخر، ودائما باتجاه الانغماس في اللعبة الخطيرة، وليس من الرابية.
قطب في 8 آذار قال لــ«الديار» «بعد الذي سمعته من باسيل، افضل انتخاب سمير جعجع على انتخاب ميشال عون»، ليضيف «على الأقل جعجع قال انه ضد الانزلاق الى الشارع وما وراء الشارع، وقال انه ضد الفراغ في قيادة الجيش، وضد اسقاط الحكومة باعتبارها خط الدفاع الأخير عن الدولة».
اوساط سياسية مختلفة الاتجاهات وتسأل أين البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في كل ما يجري، وهو يهدد الاستقرار الامني والسياسي، ويدفع البلاد نحو الهاوية، ودون ان يكون هذا الوقت هو الوقت الملائم لاثارة مطالب او مسائل على هذا المستوى من الحساسية الطائفية، فيما السنّة والشيعة يقفون وراء المتاريس.
حديث لأحد المطارنة بأن الامور تبحث في العمق. هناك اتجاهان، احدهما يقول بوضع النقاط على كل الحروف وتحميل الصراع الاسلامي - الاسلامي مسؤولية الفراغ الرئاسي، وربما الاعداد لاحداث تغيير في هيكلية السلطة.
اما الاتجاه الآخر فيقول انه لا يمكن لبكركي الا ان تكون مع «المطالب المسيحية المحقة»، لكن ما يجري حالياً لا يتعلق بمطالب المسيحيين وانما بمطالب فئة مسيحية محددة.
هذا لا ينفي التساؤل الذي من قبيل «هل من المنطقي ان يكون اسم رئيس الجمهورية عالقاً بين شفتي الرئيس سعد الحريري الذي اذا قال كن فيكون، دون اغفال الفريق الآخر ومشاركته في تعطيل العملية الدستورية».
هذا لا يمنع من التساؤل عن الخلفيات التي تحمل القوى السياسية على اقصاء  عون او الغائه، حدث في الانتخابات النيابية عام 2005 فكان التسونامي الذي تنبأ به النائب وليد جنبلاط، وفي مؤتمر الدوحة في أيار 2008 كان باستطاعة الجنرال ان يصل بخطوة واحدة الى قصر بعبدا لكنه آثر التضحية.
والمتسائلون حتى بين خصوم رئيس تكتل التغيير والاصلاح يعتبرون انه عندما يستبعد القائد المسيحي القوي عن رئاسة الجمهورية، يبدو ان المطلوب هو الاتيان برئيس للجمهورية «يشبه الكرسي الذي يجلس عليه»، أي الرئيس الفخري الذي تلعب به الرياح، ويلعب به المستشارون، وتلعب به حقائب المال الوافدة من الخارج، ليمارس سياسة الفتات داخل السلطة.
وهناك جهات مسيحية، بما فيها جهات روحية، ترى ان المادة 49 من الدستور انما تضع رئيس الجمهورية داخل الزنزانة، لا موازاة بين الصلاحيات والمسؤوليات، لا بل ان الرئيس يبدو وكأنه رهينة في يد مجلس الوزراء.
هذه الجهات تضيف انهم يخافون من ان يحطم الجنرال قضبان الزنزانة، لتشير الى أن احد أسباب الأزمة تهميش المسيحيين الذين لو كان لهم دور فاعل في الجلسة السياسية لكان باستطاعتهم ان يضطلعوا بدور هام في الحيلولة دون السنة والشيعة صدام، حتى على المستوى السياسي...
وفي نظرها، فان عون يرفع الآن الشعارات الطائفية لأنه يشعر كما لو أن هناك خلفية فلسفية وراء كل ما يجري، اي الغاء اي شخصية مسيحية قوية. ميشال عون دفع الى المنفى (15عاماً)، وسمير جعجع بقي في الزنزانة 11 عاماً، وامين الجميل جاء من المنفى بصفقة محددة، اما بشيرالجميل فقد سقط تحت الانقاض، حتى ان ريمون اده لم يجد بداً من تمضية سنوات طويلة في احدى الغرف في فندق باريسي.
وتشير الجهات اياها الى ان المشكلة هي في طريقة تسويق الشعارات العونية، لتضيف ان باسيل ليس بالشخصية التي تستسيغها قوى سياسية مختلفة، كما انه يتكلم بلغة المطرقة دون ان يمتلك لا شخصية زاباتا ولا شخصية غيفارا.
وفي التيار الوطني الحر قناعة بأن عون شخصية غير قابلة للتواطؤ او للتعايش مع الفساد، حتى وان اضطر الى التعايش مع بعض الحاشية، خطيئته الكبرى انه ضد الفساد حتى انه يقيم في منزل ليس ملكه فيما ساسة آخرون  استنسخوا في قراهم القصور التاريخية، وهناك وزير سابق فكر في قصر على غرار قصر التويليري او فرساي في فرنسا. اكثر من ذلك، شخصية سياسية حاولت استنساخ الكرملين على مساحة واسعة من الارض في احدى المناطق الجبلية.
وزير في تيار المستقبل قال لـ«اليار» «اننا نعوّل كثيراً على دور يضطلع به «حزب الله» لاقناع عون بأن يأخذ بالاعتبار الظروف التي يمر بها لبنان كما تمربها المنطقة».
اضاف «ان كل ما يحصل الآن لا يوصل الى قصر بعبدا، بل على العكس من ذلك يمكن ان يفضي الى ازمة خطيرة ليس من السهل التكهن بما يمكن ان تفعله بالبلد ومصير البلد»، مشيراً الى «أن موقف الحاج محمد رعد في جلسة الحوار كان هاماً جداً ويبنى عليه من اجل اعادة الامور الى مجراها الطبيعي».
وقال الوزير «حتى الرئىس بري صدم من كلام باسيل الذي بدا كما لو أنه يهدد بالانفصال عن لبنان، من خلال فك الشراكة مع المسلمين، وهذا امر خطير جداً، وأرجو ان تقرأوا بدقة في ما صدر عن رئيس المجلس وكيفية رؤيته للامور في ضوء مواقف التيار الحر».

ـ التمديد لقهوجي ورئاسة الجمهوريةـ

وأكد «أن المسألة تتعلق فقط بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ونحن نؤكد ان قضية التمديد لا علاقة لها البتة برئاسة الجمهورية التي لا بد ان تكون، بالدرجة الاولى، نتاج توافق داخلية، ولا مشكلة في ان يكون هناك دفع خارجي باتجاه هذا التوافق».
وسأل «لمصلحة من ان تستقيل الحكومة عند هذا المفترق الذي نعيشه جميعاً في المنطقة أو هل من المنطقي ان تضع بلادنا في مهب الريح او بالأحرى في اطار البازارات الناشطة هذه الأيام، لا سيما على الصعيد الدولي»؟
في هذه الحال ما هو موقف الرئيس تمام سلام الذي يرصد حركة الاتصالات والذي تلقى اكثرمن اتصال خارجي بعدم كسر الستاتيكو لأن الساحة السورية قد تكون مقبلة على تطورات حساسة للغاية، ويمكن ان تكون لهذه التطورات تردداتها على الساحة اللبنانية.
سلام بدا وكأنه يعيش ازمة وجدانية او أزمة تاريخية. احد المقربين منه قال لـ«الديار» انه يستحضر تجربة والده الرئيس الراحل صائب سلام ليستشف منها كيف كان يمكن له ان يتصرف لو وجد نفسه في موقف مماثل. صائب بيك الذي لم تكن تعنيه الكرسي عند أي اختبار لم يواجه ما يواجهه نجله..
لبنان يمشي على خط رفيع. المنطقة تمشي على خط النار. اتصالات من كل حدب وصوب امس للحيلولة دون اللحظة الوجدانية والتحول الى مأزق وطني. الاستقالة في الوقت الحاضر شراكة في الانتحار.
هذه ليست المشكلة الوحيدة. سلام يريد الثقل المسيحي داخل حكومته. المسألة ليست عددية، وهو يذكر انه عندما شكلت اول حكومة بعد احداث 1958 وضحت بين المسيحيين شخصية فذة مثل يوسف السودا، اعتبرت الحكومة غير ميثاقية (لكن ليس بلغة هذه الأيام) لتتشكل الحكومة الرباعية التي تمثل فيها المسيحيون بالرئىس كميل شمعون وبالشيخ بيار الجميل.
الآن، المسيحيون ممثلون بوزيرين مسيحيين هما سمير مقبل وأليس شبطيني، والواقع انهما يمثلان الرئىس ميشال سليمان الذي يعترف ان حيثيته الشعبية محدودة للغاية، وبالوزير بطرس حرب الذي اذ هزم الاحزاب في المعركة البلدية في تنورين، فان مداه الجيوبوليتيكي هو بين الجرد والساحل في البترون.
الوزيران رمزي جريج وسجعان قزي لا يدّعيان انهما يلامسان شعبية من اتى بهما، اي النائب سامي الجميل، والوزير ميشال فرعون الذي ينتمي الى عائلة تاريخية في الاشرفية لا يستطيع، وبالرغم من كل خدماته، الا الاعتماد على الحلفاء في الاحتفاظ بمقعده النيابي، وكذلك الوضع بالنسبة الى  الوزير (المركيز) نبيل دو فريج.

ـ كاريزما سليمان بيك ـ

ويبقى الوزير روني عريجي، تيارالمردة موجود في العديد من المناطق اللبنانية، لكنه لم يستطع ان يحصل على مقاعد نيابية سوى في زغرتا، دون الكورة والبترون وحيث يمتد نفوذ العائلة، وان كان احد لا ينكر الكاريزما والروح الشعبية التي يتمتع بها «سليمان بيك».
وهنا يقول وزير صديق لسلام ان هذا الاخير يدرك تماما ما هي العوائق التي تحول دون انتخاب عون رئيساً للجمهورية. المسألة ليست في يده، ولا في يد الرئيس سعد الحريري، حتى ان هناك من يشترط (لاحظوا بساطة الشرط) على الجنرال ان يقنع «حزب الله» بالخروج من سوريا. حينذاك تقدم له رئاسة الجمهورية على طبق من الذهب، وليس فقط على طبق من الفضة...
حين يقال هذا، على من يقفون الى جانب عون في السباق الى رئاسة الجمهورية ان يدركوا ان انتقاله الى قصر بعبدا يقتضي حدثاً او تحولاً اقليمياً كبيراً وكبيراً جداً، ألا يكفي التحول في الموقف التركي، وان بدا ان رجب طيب اردوغان يتكلم بلغة، وأن رئيس وزرائه بن علي يلدريم يتكلم بلغة أخرى عن سوريا؟

ـ بري : لا حوار الا اذا حصل تغيير ـ

ومن عين التينة نقل الزميل محمد بلوط عن الرئيس نبيه بري قوله امام زواره انه «لن يدعو الى جلسة للحوار الا اذا حصل تغيير في الشكل والمضمون والافكار عند الاخرين، ولن ابادر الى شيء حتى الآن الا عندما يصبح الآخرون حاضرين لحوار جدي وتتبدل الافكار وانا حاضر عندئذ، لاننا نريد ان نعود الى حوار ناجح ومنتج. واضاف: «كنت دائماً أفتش عليهم ولكن اليوم هم يفتشون عليّ».
وتابع: لقد شكل الحوار عنصر اطمئنان في البلد وانتج اموراً كثيرة خلافاً لما يقوله البعض، أكان في موضوع قانون الجنسية او اللامركزية الادارية او تسهيل عمل الحكومة.
وكنا ننتظر من الحوار انتخاب رئيس الجمهورية وقانون الانتخابات وهذا لم يحصل، وجدد بري تأكيده ان السلة التي طرحها وما قلته في مهرجان الامام الصدر في صور هو المخرج من الازمة.
واعرب عن اطمئنانه للوضع الامني. وقال، ان هذا «الموضوع لم يمس» واعرب عن اعتقاده انه بعد توقف الحوار اصبح الحل ليس عندنا بل في الخارج. واذا عدنا له واذا وصلنا الى شيء سيكون هذا معجزة. يعني ان لا لبننة للحل فيغياب الحوار، وقال «انه ليس قلقا على الحكومة» لكنه اضاف «ان هذا الموضوع عند سلام وهو يعرف كيف يتصرف».
بري استهول كلام باسيل واعتبره كلام في الحرب الأهلية، والرئيس امين الجميّل حطّ في عين التينة ليقول ان المنطقة تعيش لعبة الخرائط ونحن غارقون في القشور.
وقال «يا أرباب السياسة، ان لبنان ينتحر، ونحن ننتحر اذا ما استمررنا في هذا المنحى»، مشدداً على ان «لا خيار لنا الا العودة للقاء بعضنا البعض وان نتنازل عن بعض القبح السياسي والطموحات التي تتناقض مع الواقع اللبناني والمصلحة الوطنية».
النائب وليد جنبلاط غرد قائلا: «بعد الافق المسدود بالامس بالرغم من جهود الرئيس بري للوصول الى تسوية لم يعد هناك اي منطق للتفسيروالاقناع»، مضيفا بـاننا بتنا امام «الاضرار الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الفادحة والآتي اعظم».
اتصالات الامس تمحورت حول سبل الخروج من الهاوية، غير ان باسيل اعتبر، عقب الاجتماع الاسبوعي  لتكتل التغيير والاصلاح ان المظلومية ستجعل كل شيء مباحاً»، ملاحظاً ان كل الاشكاليات في لبنان سببها المظلوميات، ونعرف «ان بعض المسلمين استعانوا بالفلسطينيين لازالة المظلومية عنهم، كما ان بعض المسيحيين استعانوا بالاسرائيليين لازالة المظلومية».
اضاف «لعدم تكرار هذه التجارب قررنا التوجه بمشاكلنا الى اللبنانيين، وعدم الاستعانة بالخارج لان الميثاق هو نقطة اللقاء الاساسية»، لافتاً الى «ان الميثاقية ليست مطلباً فئوياً للمسيحيين بل هي حاجة للجميع لانها الضمانة والحماية».
وكان المجلس السياسي للتيار الوطني الحر قد اعلن، في اجتماعه الشهري امس، و«وضع خطة سياسية  واعلامية وشعبية بغية تنفيذها بالتدرج كتعبير عن الرفض القاطع لكل ما وصلت اليه الاحوال في النفايات والشؤون الحياتية، وما انطوت عليها الممارسة السياسية من مس بالكرامة الوطنية الجماعية».

ـ تيار المستقبل ـ

اما المكتب السياسي لتيار المستقبل فاعتبر ان تعليق جلسات الحوار «خطوة الى الوراء في مسار البحث عن مخارج وحلول للازمات المتفاقمة على غير صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي».
واعرب عن الامل في «تدارك الخطوة» مشدداً على «اهمية التواصل بين القوى والقيادات المعنية بما يحمي السلام الوطني ويجنب البلاد الانزلاق الى ما يضر بوحدة اللبنانيين وبالمؤسسات الدستورية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان والمنطقة».
وزير المال علي حسن خليل ابدى اسفه لتعليق الحوار «الذي يشكل الحل الوحيد في هذه المرحلة»، مؤكداً «الاصرار على البحث عن السبل التي تعيد انعقاد طاولة الحوار».
واشار الى ان الامور صعبة لكنها ليست مستحيلة اذا ما تم تغليب مصلحة الوطن على كل شيء آخر».
ولاحظ النائب مروان حماده ان عون «انتقل من منطق انا اولا او لا رئيس» الى «انا او لا جمهورية» وهذا ضرب من الجنون لان هذا المنطق لا يرضى به احد حتى حلفاء التيار الحر بمن فيهم المسيحيون».
واذ استبعد العودة الى الحرب الاهلية، رأى «ان الحوار معلق وليس منتهياً»، وكانت لافتة مناشدته جعجع اقناع عون بالنزول الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اليوم»، معتبراً ان فوزه بالرئاسة ممكن.
وامل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في «التوصل الى تفاهم يلحظ كل المتطلبات الاساسية لكل المكونات اللبنانيين، وعبر هذا المنهج نستطيع ان نوفر الاستقرار السياسي في البلاد».
ورأى النائب علي فياض «ان الجميع الان في المأزق» داعياً الى «عدم الاستخفاف بمشكلة التيار الوطني الحر».
واشار الوزير رشيد درباس الى ان سلام يتعامل مع الامور بطول اناة مضيفا بأن جلسة مجلس الوزراء غداً لم تؤجل «الا انني اظن ان سلام سيلجأ الى تدبير يؤكد فيه رغبته في التعاون مع كل افرقاء الحكومة».
ورأى ان طاولة الحوار «عطلت اجهزة السمع والبصر واجهزة الهضم فيها»، ليقول «ان تغيب بعض المكونات يجعل الحكوومة في حالة احتضار، وهذه المرحلة خطيرة جداً، او التصعيد يزداد ونحن نتمسك بالحوار».