السباق مع الزمن بين الخبراء والديبلوماسيين الاميركيين والروس نحو مشروع الحل في سوريا يواكبه تحرّك تركي عسكري سريع في مناطق شمال سوريا. هل ما يجري على خطين متوازيين الآن هو في إطار التنسيق والتفاهم الثلاثي؟ أم هناك حسابات وسيناريوهات متضاربة لا نعرف تفاصيلها؟
من غير المستبعد ان تكون عملية الدخول العسكري التركي الى شمال سوريا بين الاسباب التي أخّرت، أو أدّت الى عرقلة التفاهم الاميركي ـ الروسي في بكين على إطلاق خريطة طريق جديدة في حلحلة الازمة السورية.
تركيا تريد نجاح المحادثات الاميركية ـ الروسية، لكنها تريد للأطراف المتحاورة ان تأخذ في الاعتبار المستجدات العسكرية والميدانية المتلاحقة على جبهات شمال سوريا، وأنها لم تكمل خطتها التي تستهدف إخراج «داعش» من الشمال السوري في بقعة جغرافية يرفض الاتراك تحديد مساحتها لتكون جزءاً من «المنطقة الآمنة» الى جانب إعادة الوحدات الكردية الى شرق الفرات.
فرح أنقرة باللاتفاهم الاميركي ـ الروسي سَببه إنجاز مهمات ربط جرابلس بأعزاز والتقدم في اتجاه مدينة الباب ومحاصرة واشنطن في مدينة منبج وإطلاق يد حليفها «الجيش السوري الحر» للسيطرة على مزيد الاراضي وتحريرها في شمال سوريا.
يقول رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: «انّ الوحدات التركية لن تنسحب من شمال سوريا قبل إنجاز هدف تحريرها من التنظيمات الارهابية». الواضح هو انه عندما سمعت انقرة القيادة الاميركية تقول انّ اولوياتها لم تعد إسقاط النظام السوري بل تنظيم «داعش» والتمسّك بحليفها الكردي في تنفيذ هذا المشروع، وانّ واشنطن تتراجع عن معركة الرقّة ضد تنظيم «داعش» وتقول انها معركة طويلة الأمد مكتفية بفتح الطريق امام تمدد
الوحدات الكردية في اتجاه جرابلس ومنبج والراعي، حرّكت هي (أي أنقرة) قواتها سريعاً لتعطيل ارتدادات ما يجري على حدودها أمنياً وسياسياً.
الدخول التركي الى شمال سوريا اليوم قد يتحول فرصة يريدها البعض لتسريع عملية الحلحلة في الملف السوري، لكنها قد تتحول عقدة اكبر اذا ما طالت فترة الوجود العسكري التركي هناك، وترددت تركيا بالتنسيق مع «الجيش السوري الحر» في تسريع تحرير المناطق من تنظيم «داعش».
لا بل انّ ما يقلق انقرة في طريقة الرد على إنجازات «درع الفرات» لتعطيل خطتها هو احتمال تحريك مزيد من الخلايا الارهابية داخل تركيا وخارجها للقيام بأعمال تفجير وقتل للعب ورقة الشارع التركي ضد حكومة «العدالة والتنمية»، او استهداف حليفها «الجيش السوري الحر» لإضعافه وتشتيت قواه على الجبهات السورية لإبراز موقع الوحدات الكردية ودورها وضرورتها في المواجهات ضد «داعش»، او محاولة ضرب الشراكة القائمة بين انقرة وقوات المعارضة السورية، او سيناريو حدوث تفاهم اميركي ـ روسي عاجل لعرقلة خطة تقدّمها العسكري مخافة انقلاب المعادلات بما يتعارض مع مصالحهما في سوريا.
الرد التركي على كل هذه الاحتمالات كان تذكير واشنطن أخيراً بأنها لن تتراجع عن خطتها في شمال سوريا، وانّ تفعيل الجبهات العسكرية ضد «داعش» بين أولوياتها، لكنها ما زالت متمسّكة بالتعهدات الاميركية المقدمة حول سحب قوات حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» الى شرق الفرات، لأنّ الخطة التركية لم تعد تعني انقرة وحدها بل هي تعني كثيراً من اللاعبين الاقليميين والدوليين الذين أشعلوا الضوء الاخضر أمام انطلاقها واستمراريتها.
تقول قيادات الحزب الديموقراطي الكردي السوري انّ الوحدات الكردية لن تنسحب من منبج او غيرها من المناطق التي حررتها من ارهابيي «داعش»، وانها ستقاوم كل من يحاول اخذها منها بالقوة.
إقتناع اميركي سائد هو انّ انقرة التي فتحت ابوابها قبل عامين امام عبور المقاتلين الاكراد الى اراضيها في معركة عين العرب ـ كوباني وسهّلت انتقال الاسلحة الى اكراد شمال سوريا لن تصعّد ضد واشنطن اكثر من ذلك، وستتخلى عن تَصلّبها في موضوع سحب مقاتلي الحزب الديموقراطي الكردي من منبج، لكن ما يَنساه البعض هو انّ مواجهة عين العرب كانت ضد «داعش» وانّ تركيا لم تشأ ان تكون في موقف من يعرقل الحرب على «داعش» هناك.
لكنّ المسألة تختلف هذه المرة، فالمواجهة هي مع تركيا نفسها ومع حليفها «الجيش السوري الحر» في اتجاه تعطيل مشروع تقسيمي يريده البعض في شمال سوريا.
الاعلام التركي يتناقل صور الاعلام الاميركية التي رفعتها الوحدات الكردية عند مداخل مدينة منبج. الهدف هو الاستقواء بواشنطن او استجداء عطفها وتذكيرها بعدم التخلّي عن هذا الشريك المحلي. قد تتبدّل الخرائط السياسية وبنية التحالفات القائمة في سوريا، لكنّ الجغرافيا هي التي لن تتغير وأكراد شمال سوريا هم دائماً على الحدود الجنوبية لتركيا.
المهم لعب الاوراق وقراءة مسار المستقبل في الطريق الصحيح من الذي يكفل للفدرالية الكردية في شمال شرق سوريا انها قادرة على البقاء على قيد الحياة بلا شريان الحياة التركي كما هي الحال مع شمال العراق اليوم؟
آخر استطلاعات الرأي التركية المنشورة تقول ايضاً انّ 78 في المئة من الاتراك يدعمون استمرار عملية «درع الفرات» في شمال سوريا، وانّ 90 في المئة من الشعب التركي لا يثقون بما تردده واشنطن حول قبول تركيا حليفاً استراتيجياً لهاً.
د. سمير صالحة