كان متوقّعاً أن تفضي حال التوتّر بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، إلى انفجار الموقف بينهما في مكانٍ ما وفي لحظةٍ ما، فبينهما الكثير من الأسباب والعوامل المتراكمة التي توصِل إلى أكثر من سجال عابر.

فالحوار الساخن بين باسيل وفرنجية التقطه كالعادة «المايسترو» نبيه بري، مستفيداً من الاشتباك الشمالي ليمسكَ عصاه مجدداً ويعيدَ التوازن الى حلبة الحوار، فينجح كالعادة بتغيير اتّجاه الحدث والهدف الذي من أجله التأمت الطاولة، إلّا أنّ حوار أمس فضَح ذلك الخلاف العميق.

وتلفت مصادر سياسية متابعة الى أنّ الود الشخصي لم يجد طريقاً سالكاً بين فرنجية وباسيل منذ عودة العماد ميشال عون عام 2005 وتراكم سنوات، حتى أتى ترشيح الرئيس سعد الحريري لفرنجية بمثابة القشّة التي قصَمت ظهر البعير، علماً بأنّ حِلفاً انتخابياً جمعهما في جغرافيا سياسية مشتركة لدورتين عامي 2005 و2009، وكان باسيل يعتقد أنّ حضوره السياسي يجعله الرقم واحد في البترون ولكنّه يدفع ثمن القانون اﻻنتخابي المجحف للمسيحيين، في حين كان تيار «المردة» يأخذ على حلفائه في التيار نكرانَ دورهم ودعمَهم المطلق لباسيل.

هذه الأجواء وغيرها ساهمت الى حدّ بعيد بتراكم الملاحظات التي بقيَت طيّ الكتمان جرّاء صلابة الحلف السياسي المشترك تحت مظلّة قوى «8 آذار».

تغيّرَت وضعية فرنجية بعد سقوطه في الدورة الانتخابية عام 2005 لكنّ زعامته الشمالية أبقَته في عمقِ المعادلة الوطنية من باب زعامته الشمالية، وساءت الأوضاع أكثر مع أزمة «توزير» باسيل، إذ نصَح فرنجية العماد عون بإزالة العقبة وعدم الإصرار على «توزير» صهره.

إنكسرَت الجرّة مجدداً بعد فشل باسيل بنيلِ المقعد في دائرته عام 2009 على الرغم من معركة ضروس خاضَها التيار العوني ﻻعتماد القضاء كدائرة إنتخابية تحت شعار «عاد الحق لأصحابه» رغم الوهج السياسي الذي حقّقه في مؤتمر الدوحة.

كذلك طلب فرنجية من الجنرال في عهد حكومة الحريري عام 2009 عدمَ «توزير» باسيل وليس لسبب شخصي إنّما لعدم جواز «توزير» الراسبين في الانتخابات، حسبما روَت المصادر آنذاك لـ»الجمهورية»، مؤكّدةً اليوم أنّ المشكلة بدأت منذ ذلك الحين وبدأت تتفاقم حتى بلغَت ذروتها مع عقدِ باسيل اجتماعات مع قوى «8 آذار» وعدم دعوة تيار «المردة» إليها، الأمر الذي انسحب حتى على جلسات اللجان المسيحية المشتركة المكلّفة درسَ قوانين الانتخابات التي كانت تنعقد في بكركي والتي طلبَت موعداً من الرئيس السابق ميشال سليمان في أحد اللقاءات ولم يتمثّل تيّار «المردة» في اللقاء، ولمّا سألَ سليمان آنذاك فرنجية عن سبب عدم حضور ممثّل عن «المردة» مع أعضاء اللجنة، استغرب الأمر وكشفَ أنّهم لم يعلموا به.

هذه الحادثة هي واحدة من بين الحوادث الكثيرة التي تكرّرت وساهمت في تهميش تيّار «المردة»، وفقَ ما كشفت مصادر مقرّبة منه، كما أنّ الشارع الزغرتاوي لم يثق أساساً بعلاقة رئيس «التيار الوطني الحر» الحالي التي تخَللها مدّ وجزر وخريطة طريق زغرتاوية تعثّرَت بمطبّات وحفَر كثيرة حتى قبل إعلان القطيعة النهائية بين بنشعي والرابية.

واعتبرَت المصادر أنّ تصريحات باسيل التي كانت تتناقل شماليّاً هدفَت إلى التقليل من شأن زعامة فرنجية المحصورة في زغرتا، وأشادت بامتداد التيار الوطني الحر العابر للوطن، لكن سرعان ما وصلت هذه الأخبار إلى مسامع فرنجية عبر ضيوف وأصدقاء مشتركين لطالما قصَدوا بنشعي، إلّا انّ فرنجية كان يهملها تحت مبرّرات بأنّ عون بمثابة الوالد وﻻ يمكن التوقّف عند «نزق و دلع صهره».

وخَتمت المصادر بأنّ الخلاف بين الرجلين والمرشّح لمزيد من المضاعفات مهّدت له منذ مدة الأخبار الأخيرة المنقولة إضافةً إلى الكيمياء الشخصيّة المفقودة منذ البداية ووجود عقدة أساسية بينهما وهي «الزعامة المسيحية» بصرفِ النظر عن التنافس الانتخابي بينهما.

فهواجس باسيل هي بنيلِ المقعد في البترون، لأنّ رسوبه في الانتخابات النيابية مرّةً أخرى قد ينعكس على مستقبله السياسي نتيجة المنافسة الداخليّة في التيار. ولا شكّ في أنّ حسابات فرنجية الرئاسية تلعب دوراً أساسياً في التصويب السياسي على عون من زاوية باسيل كما من زاوية حقيقة تمثيله المسيحي.

فالحب المكبوت بين باسيل وفرنجية خرجَ إلى العلن في جلسة الحوار الـ23 بعدما اعتبَر مناصرو تيار «المردة» انّ مواقف عون كانت قاسية بحقّ حليفه الوفي فرنجية فيما كان الشارع الزغراوي يمتعض من صمت رئيس «المردة».

ويبدو أنّه بعد وصول المتسابقين لرئاسة الجمهورية الى حائط مسدود، لجأ الطرفان الى تغيير استراتيجيتهما وتغيير قواعد اللعبة وحسمها على الطريقة الزغرتاوية، ممّا أضفى جوّاً حماسياً على جلسة حوار غير مشوّقة لم تفضِ حتى الساعة إلّا إلى تمرير الوقت واللعب عليه بانتظار شيءٍ ما.

 

مرلين وهبة