نادرا ما ينشق عضو من أعضاء الاحزاب العقائدية، لأن هذه الاحزاب تتميّز من حيث البرامج والعقائد عن غيرها من الاحزاب، بدرجة عالية من الدقة في التنظيم، وإلتزام الاعضاء الكلي بالمباديء التي يؤمنون بها، واذا ما كانت هذه الاحزاب دينية يكون الالتزام بالتعليمات التي يتلقونها من القيادات أكثر شدة، ويكون الالتزام مؤصل بفتوى دينية بالإضافة إلى القرار التنظيمي، مما يعطي للقرارات التنظيمية مزيدا من القوة، ومزيدا من الانسجام مع قناعات الاعضاء المؤمنين بالدين حيث تكون فكرة الشرعية للقيادة مستمدة من السماء مباشرة وليس من الاعضاء في الغالب .
هذه الاحزاب تعتمد نظام الحزب الواحد وهو نظام غير تنافسي يجعل الحزب محتكرا للعمل السياسي ومن هنا نرى كيفية تعامل هذه الاحزاب مع أخصامها السياسيين، إذ أنها تنفي عنهم الحق في العمل السياسي إلا إذا كان يصبّ في مصلحتها تسمح له حينئذٍ بالعمل السياسي بدون أي تهمة من قبيل العمالة للخارج والمؤامرة وما شابه ذلك .
هذا النوع من الانظمة الحزبية إبتدعته الماركسية والنازية والفاشية وإنتشر بلداننا، مع أن الكثير من الدول تركته إنسجاما مع التطورات السياسية بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي المغذي الاقوى لهذه الانظمة الحزبية في الشرق .
من رحم هذه الاحزاب وبسبب طريقة تعبئتها وتثقيفها لأعضائها يخرج ما يسمى حزب الرجل الواحد الذي يعود إليه القرار النهائي بكل القضايا التي تبناها الحزب والذي يسهّل هذا التحوّل الجذري هو وجود بيئات لا تزال تعيش عادات وثقافات الاقطاع القديم مع عدم توفر العلم والوعي السياسي وإستغلال الاحزاب حالة التخلف التي يعيشها الناس على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي .
أما الاحزاب الدينية تعتمد بالإضافة إلى المعطيات المذكورة عنصر إرتباط الاعضاء بالدين أو المذهب فتربط التحول أو التغيير الذي يرتئيه القائد بمصلحة المذهب أو الدين ككل .
بعد هذه المقدمة التوضيحية، نطرح السؤال التالي: كيف ولماذا ينشق العضو عن هذه الاحزاب بعد إنتمائه لها والعمل بأنظمتها لمدة طويلة، وخاصة أننا نرى منشقين يوجهون إتهامات لاذعة للقيادة، ولتاريخ التجربة، ويحذرون من الاستمرار بهذه التجربة ؟؟
لقد إنشق الكثير من أعضاء حزب الله ، عناصر عاديين، ومسؤولين وأبرز المنشقين هو الشيخ صبحي الطفيلي الامين العام لحزب الله سابقا وأقر بكثير من الاشياء كانت تحدث وما زالت حسب رأيه، وأهمها هو السيطرة الايرانية على قرار الحزب، وأتهم بقساوة القيادة الحالية بالانحراف عن أهداف الحزب الاساسية، وتوالت الانشقاقات، وتوالت الاعترافات، وكشف الاسرار الداخلية للتنظيم، تزامنت هذه الانشقاقات مع فضائح كثيرة داخل التنظيم، من سرقة وإختلاس، وخيانة وعمالة بعض المسؤولين للعدو الصهيوني وللأميركي أيضا .
تكفي هذه الفضائح كدليل على أن الانشقاقات اغلبها مبرر حسب إدعاءات المنشقين، وأعتقد أنها كافية لتكون جوابا على السؤال المطروح، ويمكننا ان نقول أن الكثير من أعضاء حزب الله هم مشاريع إنشقاق، فيما لو إنكشف لهم الذي إنكشف للذين سبقوهم بالانشقاق .