الشرق الأوسط الجديد مصطلح تداولته السياسة الأميركية في الساحة السياسية لأول مرة في العام 2006 ، وأعلنت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، وانتشر هذا التعبير كاستراتيجية أساسية في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وأراد منه الأميركيون إجراء أو تغيير شامل في منطقة الشرق الأوسط، ورسم خارطة جديدة بهدف تحقيق الإستقرار السياسي والاجتماعي الذي يضمن المصالح الأميركية في المنطقة وفي مقدمها النفط، وإرساء الحدود النهائية لدولة إسرائيل وبدء نشوء الكيان الكردي.
وفي شهر يونيو/حزيران من العام 2006 كتب الخبير العسكري الأميركي رالف بيترس في مقالة بعنوان :"الحدود الدموية.. كيف يمكن رؤية الشرق الأوسط بشكل أفضل" وتضمنت هذه المقالة خريطة جديدة للشرق الأوسط مفصلة بشكل دقيق على أساس عرقي ومذهبي.
وعملت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل حثيث على مقولة الشرق الأوسط الجديد بطرق سياسية وعسكرية عديدة كان أهمها في العام 2006 حيث دارت الحرب الطاحنة في لبنان ضد حزب الله، ولتعلن كوندوليزا رايس مرة جديدة ومن بيروت تعليقا على هذه الحرب ولادة شرق أوسط جديد، ومع فشل هذه الحرب في تحقيق أهدافها استمر الأميركي بالإعداد لخطة الشرق الأوسط الجديد والتي استمر على العمل على تنفيذها بطرق وأمكنة أخرى بدأت فيما بعد بالعراق ثم في سوريا ثم في تركيا لتُفتح كل الجبهات سياسيا وعسكريا على بعضها مع اعتماد سياسة خلط الأوراق كوسيلة سياسية لتحقيق هذا الهدف .
على ضوء ذلك كثر الحديث عن التقسيم فاشتعل العراق بحرب طائفية وعرقية كان أبطالها الشيعة والسنة والأكراد،فبرز الدور الايراني، وتوسعت رقعة الحرب لتشمل دولا عديدة في المنطقة تحت عنوان الإرهاب والحرب على الإرهاب، وخلال ذلك بدأ الحديث عن إقامة دولة كردية في مناطق شمال العراق وجنوب شرق تركيا وأجزاء من سوريا وإيران.
وفي السياق يجري الحديث أيضا عن تقسيم العراق وسوريا وذلك حسب مقتضيات الخطة المرسومة لمقولة الشرق الأوسط الجديد.
ويصب الحديث عن شرق أوسط جديد ترغب واشنطن في رؤيته على خريطة العالم وتجسيد رالف بيتيرس هذه الفكرة من خلال طرح استراتيجي متكامل، في خانة التمهيد والتحضير لبلقنة المنطقة، وهي مهمة أساسية لا ترتبط فقط بالمصالح الأمريكية الإقليمية، وإنما بالصراع الخفي الحالي بين الدول العظمى للاستحواذ على مناطق النفوذ الاستراتيجية، واكتساب نقاط في السباق على زعامة العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.
ولم تتوقف الخطوات الأمريكية لتسويق مشروع تقسيم الشرق الأوسط عند هذا الحد، إذ أن مجلس الشيوخ الأمريكي بادر في أيلول/سبتمبر من عام 2007 إلى إصدار قرارا غير ملزم، دفع به وعمل على إنجاحه جو بايدن نائب الرئيس أوباما حاليا، يطالب الإدارة الأمريكية بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق اتحادية شيعية وسنية وكردية. وبالطبع رحب بالقرار الأكراد وفي طليعتهم الرئيس العراقي السابق جلال طالباني.
رغم أن الكثيرين لا يصدقون أن في قدرة الولايات المتحدة إعادة تقسيم الشرق الأوسط، ناهيك عمن يعتقد أن هذا المشروع مجرد ضجة إعلامية مبالغ فيها، إلا أن المشروع بدأ يتجسد بالفعل لتبرز ملامحه تدريجيا على أرض الواقع. ربما الاختلاف الوحيد الذي طرأ هو أن المشروع بدأ بخطوات حثيثة من العراق وليس من لبنان كما أعلنت غونداليزا رايس سابقا.
ومن هنا يؤكد رالف بيترس في هذا الصدد أن الحرب وحمامات الدم في خضم إعادة تقسيم الشرق الأوسط لا يمكن تفاديها، لأن العدالة التي نصب نفسه قيما عليها، تتطلب ذلك .
ومن خلال ما جرى ويجري في المنطقة باستطاعة أي متابع أن يدرك أن الحدود لم تكن أبدا ثابتة، وأن إحداث تغيرات فيها ليس أمرا مستحيلا، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط تعاني من هشاشة لا مثيل لها، وإعادة رسم حدودها لا تحتاج إلا إلى وقت لتسريع "إنضاجها" وقد حان الوقت الآن تماما مع "ربيع" العرب العنيف والمدمر.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية، خريطة جديدة تظهر تقسيم 5 دول في الشرق الاوسط الى 14 دولة، لافتة إلى أن خريطة الشرق الاوسط الحديث الذي
يعد المحور السياسي والاقتصادي في النظام الدولي في حالة يرثى لها، بحسب الصحيفة.
وركز التقسيم الذي قدمه المحلل روبرت رايت عبر الصحيفة، على سوريا، حيث أن الحرب المدمرة هناك تشكل نقطة تحول، ومن هنا قسمها الى 3 دويلات، وهي الدولة العلوية التي تتكون من اقلية سيطرت على سوريا لعقود وتسيطر على الممر الساحلي.
وأشارت الصحيفة الى أن الدويلة الثانية هي كردستان السورية التي بإمكانها الانفصال والإندماج مع أكراد العراق في نهاية المطاف، أما الثالثة فهي الدولة السنية التي بإمكانها الإنفصال ومن ثم الإتحاد مع المحافظات في العراق.
ومن هنا فإن الرؤية العامة لمنطقة الشرق الأوسط تسيطر عليها صور أقرب إلى الرسم السوريالي منها إلى المنطق والواقع وهذا ما يوضّح أنّ هناك خطة تدميرية ممنهجة ومتّبعة لضرب كيان المنطقة، إذ بات من المستحيل العودة إلى السابق في ظلّ حاضر يعيش مرحلة المخاض العسير، ومستقبل مبهم المعالم، وسط أحداث مفاجئة غير متوقّعة، كالاستدارة الكبيرة لتركيا نحو روسيا بعد الإنقلاب الفاشل الذي حصل على أرضها.
لم يعد يخفى على أحد أنّ مصير المنطقة قد دخل في دوامة المجهول، التي يتصارع فيها مجموع القوى العالمية والإقليمية. فللأحداث الدائرة قوة تغييرية تعمل على إعادة وضع السيناريوات الجديدة.
وفي المحصلة حتى الآن فإن المنطقة أمام تغييرات جذرية عديدة وبعناوين مختلفة عما في السابق والأسئلة تدور وفق التالي :
1 . الأزمة السورية إلى أين ؟
2 . العامل التركي، و تركيا ما قبل الإنقلاب وما بعده.
3 . العامل الكردي من سوريا إلى العراق الى إيران.
4 . أي دور للكيان الصهيوني في المنطقة في ظل الشرق الأوسط الجديد ؟
5 . ماذا فهم العرب من الشرق الأوسط الجديد وكيف تعامل العرب معه؟
وهذا ما سنجيب عليه في الحلقات القادمة .