في اللحظة التي ودع فيها حزب الله المقاومة ضدّ العدو بعد تجربة قادها مقاومون حُفرت أسماؤهم في القلوب ومازالت دماؤهم تغذي شجر التحرير وتسهم في تقديم نموذج في العمل الجهادي انطلاقاً من منظومة أخلاقية رفيعة المستوى برهن من خلالها المستشهدون منذ الاحتلال وحتى الفوز بالنصر والشهادة عن مرؤة عالية نسج عنها النساجون من الخطباء والشعراء ما يشبه الحلم والخيال الذي راود كل مواطن أسرته شمس الشهادة وأذهلته قصص الصمود ضدّ من لم يصمد أحد من العرب أمام دباباته وطائراته ومجموعاته المقاتلة والمتسلحة بأجود ما في الغرب من سلاح قاتل .
آنذاك كنت النخبة والطليعة الخارجة من مساجد التقوى والايمان وكتب المعرفة والارشاد والهداية ومدارس الأخلاق هي التي تجول في ميدان الاحتلال وتزرع الرعب في قلوب المحتلين والايمان في قلوب اللبنانيين بأن وعد الله آت وقريب مهما طال الزمن . وكانت طلائعها مجرد أفراد غير مستوحشين في طريق الحق وقد ضاعفهم موتهم في سبيل الله فكانوا كثرة نمت شجرتها بعد الفتح شيئًا فشيئًا حتى تعزز دور المقاومة بعد حروب خاضها الكثيرون ضدّها في السياسة والاعلام والسلاح وتحت غطاء من جمهور ضرير لا يُبصر الاّ ما يبصره القوي وقد كفر هذا الجمهور بالمقاومة وشهدائها وشتمهم طيلة سنوات ومشى في تظاهرات وهتف ضدّ المقاومين ومن يدعمهم ويسهل لهم السلاح لمقاتلة العدو الاسرائيلي .
هذا الجمهور تحول بعد أن أصبح الحزب هو البطل اللبناني الى كتلة جامدة لا تسهم الاّ في الشتم ولا تعرف لغة الاّ التهديد والوعيد وهي جالسة في أماكن اللغو ولا تقدم شيئًا لا للمقاومة ولا للحزب سوى المزيد من الأحقاد الجاهلية وتحترس بالطائفية الشيعية وهي لا تعرف اتجاه القبلة ومواعيد الصلاة . وقد أسهمت ظروف حزب الله بعيد الخروج السوري من لبنان باستقبال وقبول الجماهير كما هي لا كما يشتهي بعد أن وُضع داخل المساحة الداخلية كرافعة للأحزاب الموالية لسوريا ضدّ أحزاب 14 آذار وجاءت الانقسامات الحادة بعيد مقتل الرئيس الحريري وبمستواها الطائفي والمذهبي لتغذي من قناعة القبول بنوعية هذا الجمهور وضرورة تنظيمه ففتح له السرايا ليتمكن من ضبطه ولجم انفعالاته في شوارع أمست حسّاسة ويكفيها عود كبريت ليحرق البلد بحرب مذهبية مجنونة .
بعد الأزمة السورية والحرب التي دخلها الحزب طوعاً والمفاجأة بحجم المقاومة السورية والجغرافية الهائلة والكبيرة واستحالت التواجد في مساحات شاسعة في ظل عديد محدود لمقاومين احترفوا القتال ضد العدو في تضاريس مساعدة للمقاومة . ثمّة أسباب جوهرية دفعت الحزب الى اعتماد تجربة جديدة مستوعبة لفئات عمرية يصعد منها حماس الشباب الذي يفرغ طاقته وشحنة اندفاعاته في سوريا ويتمادى في غرور المقاتل عندما يعود من جبهات القتال .
هذا الغرور برأي مسؤولين جنوبين يسهم في تعزيز الخلل القائم بين الثنائية الشيعية من جهة ويدفع الى مزيد من المشاكل كما حصل مؤخراً في بلدات جنوبية ويحرض العصبية الحزبية كما ظهرت في 31 آب في مهرجان الامام الصدر من خلال الظهور المسلح للحركة بعد غياب طويل ومن خلال شعارات الجمهور المكثف والصاعد ازدياداً في كل ذكرى والذي ذهب ليصرخ فقط : (هي و يا الله بري بعد الله ) دون أن يستمع للسياسة في خطاب الرئيس .