في الوقت الذي قال فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الآونة الأخيرة بدأت تشهد توافقا في المصالح بين بلاده وتركيا في ما يخص الأزمة السورية، وأن هذا التوافق حيال أزمات المنطقة سيعود بالنفع والفائدة لكلا الدولتين، راحت وسائل إعلام مقرّبة من النظام السوري تتحدث عن لقاء مرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، بل جزمت بأن التحضيرات اللوجستية لهذا اللقاء تجري على قدم وساق برعاية روسية.

هذه التسريبات، ترافقت مع تصريحات لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، قال فيها إن تركيا تهدف إلى تطبيع علاقاتها مع مصر وإصلاح علاقاتها بسوريا في المستقبل، وقال “إن شاء الله سيكون هناك تطبيع مع مصر وسوريا، بدأت تركيا محاولة جادة لتطبيع العلاقات مع مصر وسوريا” دون أن يعطي أي إيضاحات، كما لم يعلن عن أي جدول زمني لإصلاح العلاقات مع الدولتين، لكنّ هذا التصريح شغل الكثيرين ممن لهم علاقة بالشأن السوري، فتحسن علاقة أردوغان مع الأسد، إن كان الأمر صحيحا، سيحمل معه الكثير من التغيرات الجذرية الخطيرة التي ستقلب كل الموازين، العسكرية والسياسية، في المنطقة.

التسريبات ومعها التصريحات الناقصة للروس والأتراك، أتت بعد حدثين أساسيين؛ الأول هو عودة العلاقة الروسية التركية إلى طبيعتها، بعد المصالحة بين زعيمي البلدين في التاسع من أغسطس الماضي، والثاني التدخل التركي العسكري المفاجئ في سوريا، لكن هذه التسريبات التي بدا أن النظام السوري سعيد بها، وربما كان له يد بإشاعتها، مستغلا التصريحات التركية والروسية الملغومة، سرعان ما تبيّن عدم صحتها، فالمسؤولون الأتراك المعنيون بالملف السوري والذين تواصلوا مع المعارضة السورية، نفوا نفيا قاطعا وجود أي وساطة، روسية أو إيرانية، بين أردوغان والأسد، وشددوا على أنها إشاعات اعتاد الأتراك على سماعها بين الحين والآخر، ومجرد بالونات اختبار، ووصفها أحد المصادر الرسمية التركية بأنها “كلام فارغ”.

يبدو أن النفي التركي أقرب إلى الواقع والمنطق، فمشكلة تركيا مع النظام السوري ومع الأسد أيضا، ليست خلافا على وجهات نظر، وليست خلافا تكتيكيا على قضية صغيرة أو سياسية يمكن أن تحلّ بقمّة للمصالحة، بل هي خلافات جذرية تكاد تكون مصيرية بالنسبة إلى تركيا، فالصلح مع النظام السوري، وموافقة تركيا على بقاء الأسد، يعني تلقائيا موافقتها على أن تبقى الهيمنة الإيرانية قائمة على سوريا، وأن تتخلى تركيا عن دورها الإقليمي لصالح طهران بشكل نهائي.

لكن المعارضة السورية صارت حذرة مما يمكن لتركيا أن تفعله من أجل مصالحها، خاصة وأن القيادة التركية أعلنت عن تحديين؛ الأول “تصفير” مشاكلها الخارجية، والثاني مع الأكراد السوريين في فرض إقليم مستقل أو فيدرالي على طول الشمال السوري، وهذا الحذر أعرب عنه منذر آقبيق، الناطق باسم تيار الغد السوري المعارض، والذي قال لـ”العرب”، “لقد أصبح موضوع إعادة العلاقات بين أردوغان والأسد واردا الآن، بعد أن كان من المستحيلات في الماضي القريب”.

وأضاف آقبيق قائلا “تركيا تحتاج إلى تعاون روسي معها في هذا الملف، مما يستوجب عليها دفع الثمن سياسيا عن طريق تليين موقفها تجاه الأسد.

ومن المتوقع أن تُغلّف الاستدارة التركية بمبادرة منها من أجل السلام في سوريا، مستفيدة من علاقاتها القوية مع جزء كبير من المعارضة السورية السياسية والمسلحة، تلك المعارضة التي ستكون في وضع صعب عندما تعرض عليها صفقة أقل من طموحاتها، لكن من المبكر القول إن تركيا ستتخلى بالكامل عن المعارضة، لأنها ستظل تسعى لامتلاك أوراق مع مختلف الأطراف”.

افترض كثيرون أن روسيا اتفقت بالنيابة عن نفسها وعن البيت الأبيض، على أن تحصل تركيا على ما تريد، وأن يُسمح لها بكبح جماح الأكراد السوريين الانفصاليين، بالقوة، مقابل تليين موقفها من النظام السوري ورأسه، والقبول ببقائه في المرحلة الانتقالية على الأقل، وقالوا إن هذا القبول ليس مستبعدا من تركيا من حيث المبدأ، خاصة وأن مصالحها القومية أهم بكثير من دعم المعارضة السورية. وهذا ما يؤكده جانب آخر من المعارضة السورية.

إذ يستبعد في السياق المعارض السوري يحيى العريضي أن يكون هناك أي تقارب مع النظام السوري، ويرى أن هذا النظام غير قادر أصلا على التأثير في الملف الكردي نهائيا، وبالتالي لا يمكن لتركيا أن تركن أو تستند إلى مساعدته، ثم إن العلاقة الروسية التركية أهم بكثير من نظام الأسد، الذي اعتبره “تفصيلا تافها”، بمعنى أن لتركيا وروسيا مصالح كبرى يمكن التفاوض والمساومة عليها، بعيدا عن إرغام تركيا على إعادة علاقتها مع الأسد.

 


باسل العودات: العرب