أولاً: المفارقات التاريخية والثقافية
تتهاوى معظم بنود النظرية المادية التاريخية الماركسية وفي مقدمها الصراع الطبقي، ودحر البورجوازية، وانتصار البروليتاريا، وإقامة سلطة الطبقة العاملة. على أرض الشيوعية الماوية (نسبة لماوتسي تونغ) ،وفي ظل العلم الأحمر ، وحزب الطبقة العاملة، الحزب الشيوعي بقيادة الأمين العام وتوجيهات القيادة المركزية للحزب يتوافد أقطاب العالم الرأسمالي، العالم الذي ينهب عالم الجنوب، لينعم بالبحبوحة والرفاهية، في حين يغرق الجنوب بالفقر والمجاعة والمرض والحرب والهجرات الجماعية. يتوافد زعماء الدول المشاركين في قمة العشرين إلى "هانغتشو" ليتدارسوا هموم العالم الرأسمالي في الاقتصاد والتجارة والربح والعولمة، ورسم أفضل السياسات لاستغلال الشعوب المغلوبة على أمرها، ولم يبق في الساحة بعد تواري شعارات الأممية في العدالة والمساواة والاشتراكية ومنع استغلال الإنسان "لاخيه" الإنسان سوى هواجس بناء اقتصاد عالمي مفتوح، ومواجهة ضغوط إقامة حواجز تجارية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز التجارة الحرة، ، وباختصار، تعزيز عالم الأغنياء والاقوياء، الأغنياء باقتصادهم، والاقوياء بأنظمتهم السياسية الديمقراطية المتماسكة، أما عالم الجنوب المتروك للاستغلال والإهمال، وإشعال الحروب الأهلية والإقليمية فيه، فله ما يجود به العالم الرأسمالي من مساعدات إنسانية وأسلحة متطورة، تدفع الشعوب المقهورة اثمانها مضاعفة، ومؤتمرات تُنظّم لمعرفة أفضل السبل لتوزيع الغنائم وتجديد الحضور الاستعماري بأشكالٍ جديدة بعد أن ظنّ البعض أنّه كان قد ولّى إلى الأبد.
ثانياً: العالم العربي والإسلامي على هامش القمة
يحضر العالم العربي والإسلامي في قمة العشرين على الهوامش، في أوليات الرئيس الفرنسي بمكافحة الإرهاب، والوعود الروسية بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية في ملفات المنطقة الشائكة، والتعاون الاقتصادي، وطمأنة أوباما لأردوغان بمحاسبة مدبّري الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، عدا ذلك، لا بأس من استمرار المآسي الدموية في طول العالم العربي وعرضه، ففي تتصالح الرأسمالية مع عدوتها اللدود: الشيوعية، لا يتمكن السوريون من وقف نزيف الدم على أرضهم والتفاوض لابتداع حل سلمي مؤقت لبلدهم الذي مزقته الحرب لأكثر من خمس سنوات وشرّدت وقتلت حوالي نصف سكانه، والعراقيون لم يتمكنوا بعد أكثر من سنتين من تحرير بلدهم من تنظيم إرهابي ابتلع أكثر من نصف العراق خلال ساعاتٍ معدودات، والفساد ينخر عظام الناس، فتسجّل أعلى نسبة فقر في أغنى بلد في العالم بموارده النفطية ومياهه وخيراته، واليمنيون ، ورغم جهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص، لا يتمكنون من وقف طاحونة الحرب الرهيبة، ولا يتفقون على إقامة دولة وطنية موحدة وعادلة، وفي مصر لا يتمكن "الإخوان المسلمون" من التهادن مع "إخوانهم غير المسلمين" ووقف حرب الاستنزاف الأهلية التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات، حتى أرهقت البلاد والعباد، وفي ليبيا، الدولة الغنية بالنفط لا تستطيع أن تقوم بأود شعبها بعد أن حلّت على أرضها "بركات" داعش فأشعلت حربا أهلية إضافية، وفي لبنان لا يتمكن الإخوة النواب المتحاورين من مختلف الطوائف من انتخاب رئيس للبلد لتعزيز المؤسسات الدستورية، ووقف مهزلة الفساد المستشري.
هذه بعض أحوالنا المزرية يا قادة العالم الأغنياء المجتمعين في الصين، حبذا لو تشملونا برعايتكم، وبالحد الأدنى، وقف الحروب المشتعلة، والتي أضحت أمورها في يدكم، وزمامها تحت أرجلكم.