عندما أراجع مصائر طغاة الماضي، من مثل هتلر وبول بوت وعيدي امين والقذافي، من انتحار أو منفى أو تعذيب أو سجن أو اغتيال، لا أتمالك سوى أن أتساءل: كيف يسع طغاة الحاضر أن يمضوا قدماً في طغيانهم، من دون أن يقرأوا مستقبلهم في نهايات مَن سبقوهم فيرعووا؟ كيف يسعهم ألا يعتبروا من الدروس، متوهّمين أنها "ستدوم لهم" وأنهم الإستثناء ولن يلقوا المصير نفسه الذي ضرب أسلافهم في سلالة الطغيان؟
لكن الحكّام الديكتاتوريين لا يعتبرون. بل أكاد أقول إنهم لا يستطيعون أن يتخيّلوا أنفسهم خارج عروش التاريخ. هم يعتقدون، بل يؤمنون، بأن التاريخ يناديهم، وبأنهم منذورون لهذه المهمات، وبأن من واجب الشعوب أن تحملهم فوق الأعناق والراحات، أياً تكن عذابات هذه الشعوب وكوابيسها والمآسي.
الطغاة لا يمكنهم أن يأخذوا عبرة من الماضي، ولا مما يحدث أمامهم على الإطلاق. هم مهووسون بأبد السلطة، ومشغوفون بالدم والقتل. يبنون ممالكهم على الجماجم، ويواصلون العبث بعبر التاريخ، على رغم ما يتحصل أمامهم من التراكمات، ومما ينبئ به هذا الحاضر العربي الطريّ العود، ومما تحفل به تجاربه، ومجازره، ومآسيه... ونهاياته.
عجباً لهؤلاء! يلهثون وراء الهاوية، في حين أن في إمكانهم تجنّبها.
يستيقظ الواحد منهم، كل يوم، ملكاً أكان، أم أمبراطوراً، أم أميراً، أم رئيساً، أم عقيداً، راجياً أن يعزّز سلطانه، وأن يزيده رسوخاً، غير آبه للشعب، لفقره، وجوعه، ووجعه، وحلمه. لا أحد موجوداً في المرآة سوى الديكتاتور نفسه، فمن أين له أن يرى شعبه؟ ولو أوتي له أن يرى، فإن ثمة مَن يحول بينه وبين الرؤية ومفاعيلها. هؤلاء هم أفراد الحاشية، الذين يزيدون الطاغية طغياناً، ويستأصلون من قلبه – إذا كان هناك من قلب – كل ذرة من الرحمة والشفقة. بل يستأصلون من رأسه – إذا كان هناك من رأس يفكّر – كل احتمالات التخفيف من هول الاستبداد.
صحيح أن الحاكم يحكم بشخصه، لكنه الشخص ممتزجاً بوحشية أفراد الحاشية أيضاً. هو والحاشية، يصيران جسماً واحداً، وعقلاً واحداً، وقلباً واحداً. يكفي هؤلاء، أن يسمعوا أنيناً، أو أن يروا غضباً مكبوتاً في الأعين أو نائماً في طيّات الخيال، حتى يكتموا الأنين الى الأبد، ويسملوا عيون الغضب الى ما بعد الأبد.
يفجعني أن لا أرى أيّ أمل في الحكّام العرب.
يفجعني أن أعتقد أن مصائر شعوبنا في المنطقة العربية، ستظل تواجه العذاب نفسه، والكابوس نفسه، وستظل تدفع الاثمان وراء الأثمان.

 

جمانة حداد