في 2005 وبعد إنسحاب القوات السورية من لبنان على إثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري، عاد الجنرال ميشال عون من منفاه في باريس ليحيي مشروعه الخاص المختزل في تياره والهادف لقيام الدولة اللبنانية على أسس الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد.
من معارضة إلى سلطة:
حقق في أول إنتخابات نيابية فوزا كاسحا في المناطق المسيحية سماه حينه وليد جنبلاط بالتسونامي. وثقة الناس بالخط العوني كانت بسبب مواقفه السياسية المعارضة للسلطة اللبنانية وما أنتجته من فساد ومحاصصة وتردي في الوضع الإقتصادي والمعيشي للمواطن. فمارس عون المعارضة السياسية ضد التحالف الرباعي حينها الذي مثل مشروع السلطة قبل أن ينقلب جنبلاط على هذا التحالف وتختلط الأوراق لتصل إلى توقيع ورقة تفاهم بين التيار العوني وحزب الله. كان أسلوب التيار العوني يمثل الصوت الرافض في الجمهورية اللبنانية لأي مشروع محاصصة ينتج فساد على مستوى الإدارات كافة، وكان يوحي بأن مشروعه ليس السلطة بل قيام الدولة والمؤسسات على مستوى كل الجغرافيا اللبنانية. ولم يكن أحد ليتخيل أن عون كان يطمح بالسلطة وهذا ما ظهر جليا بعد 7 أيار 2008 ومؤتمر الدوحة والذي أشركه في السلطة. عدة شعارات سقطت وإستبدلت بأخرى للرجل وتياره بعد دخوله نادي الكبار في السلطة اللبنانية منها مشاركته أولا في تكريس الأمر الواقع والمشاركة في المحاصصة بدءا من الحصص الوزارية لتياره في الحكومة وتسجيله فشل لأداء معظم وزرائه في الحكومة وتردي الخدمات والجودة بعد إستلامهم للوزارات كالطاقة والإتصالات وذهاب عون نحو الشخصنة والتوريث السياسي من خلال إصراره على مشاركة صهره " الراسب" في جميع الإنتخابات جبران باسيل في الحكومات وجعله شرط للموافقة أو عدم الموافقة للدخول إليها وصولا لتسليمه سدة رئاسة التيار. هذه الممارسات حولت عون إلى شريك في عملية الفساد والمحاصصة الموجودة في البلد وأثبتت أنه ليس إستثناء في هذا المجال.
من تيار وطني إلى تيار مسيحي:
عقيدة التيار الوطني الحر في الأساس هي المؤسسات والجيش والدولة فكان وطنيا عابرا للطوائف والمناطق. لكنه سقط بل تعمد أن يسقط في الطائفية وصولا للعنصرية التي تذكرنا بزمن اليمين اللبناني المتطرف في الحرب الأهلية لأنه وجد بالطائفية والغرائز المذهبية سبيلا لتكريسه رقما صعبا بين زعماء الطوائف في لبنان. فتراجع إهتمامه عن مشروع الدولة وصب إهتمامه على مشروع تياره ليحوله معادلة صلبة في الحياة الطائفية اللبنانية. لذلك رفع عون شعارات إستعادة حقوق المسيحيين وشيطن تيار المستقبل " الممثل السني الأول" وهول من خطر التوطين والتجنيس للسوريين في لبنان وظهرت عبارات عنصرية من نخب في تياره لا تمت للعقلانية والصواب بصلة. فتحول الرجل من رجل دولة إلى رجل منطقة وتيار وطائفة يقف سدا منيعا أمام الإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود. وعلى رغم أنه إستلم 10 وزارات في حكومة الرئيس ميقاتي إلا أن الفساد زاد ولم يستعد أي حق للمسيحيين لأنها فقط شعارات ليعبر بها إلى مشروعه الخاص لا مشروع الدولة.
العرقلة مستمرة:
وبعد تجربة 11 عاما مع الحالة العونية يتوقف المراقبون أمام إنجازاته فيجدون أنه عقبة أساسية أمام قيام الدولة اللبنانية ومشاركته في قتل الدستور والقانون يوميا. فهو يقاطع جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية بحجة إبتدعها وتشكل سابقة وهي إما أن ينتخبه النواب أو يعطل النصاب محتجا بذلك ببدعة أخرى سماها الميثاقية. وبمقاطعته للجلسات فهو يعطل المجلس الأم للجمهورية ويخرق الدستور ويشارك في العرقلة المستمرة لقيام الدولة. أما اليوم فهو يعلق مشاركته في جلسات الحوار الوطني ويبتز اللبنانيين بحجة الميثاقية وكأن لبنان مملكة خاصة لرغباته وأهدافه. لن يرحم التاريخ ميشال عون في كلا الأمرين وسيسجل أنه المساهم الأساسي في تعطيل الدستور وتعليق قيام الدولة في لبنان.