جاء في البند الثامن من وصية بيتر العظيم أحد أشهر قياصرة الروس إلى الخلفاء من بعده: "على الروس أن ينتشروا يوما فيوما شمالا في سواحل بحر البلطيق وجنوبا في سواحل البحر الأسود".
وجاء في البند التالي : "للتعجيل بضعف بل بزوال دولة إيران لنتمكن من الوصول إلى خليج البصرة".
الوصول إلى المياه الدافعة -أي مياه الخليج الدافئة - كان يشكل أحد أحلام الروس، وكان ذلك الغاية الرئيسية لغزو أفغانستان في العام 1979 لم يتمكن الروس من تحقيقها بفعل صمود الغرب والعرب وإيران ووقوفهم بجانب الشعب الأفغاني.
وما يبحث عنه القيصر بوتين لا يختلف كثيراً عما أوصى به سلفه بيتر ولا عما فعله الشيوعيون الذين حكموا الاتحاد السوفيتي حتى العقود الأخيرة في القرن الماضي.
إن أحد الأهداف الرئيسية من تواجد الروس العسكري في سوريا والذي وصل إلى ذروته خلال أسابيع سابقة باستخدامهم قاعدة همدان الجوية الإيرانية الذي أثار جدلاً واسعاً بين السياسيين في إيران هو العمل وفق ما خطط له القيصر بيتر حيث استقرت استراتيجية الروس الأمنية والعسكرية على التواجد في البحار الثلاثة ( بحر الأسود وبحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي).
كيف يواصل الروس طريقهم في سبيل تحقيق هذه الاستراتيجية؟ إنهم عندما وجدوا بأن أوكرانيا خرجت عن عباءتهم بعد الثورة التي قضت على الرئيس المتحالف مع روسيا بادروا باحتلال جزيرة قرم التي هي جزء من الأراضي الأوكرانية ويشكل الروس الأغلبية الساحقة من سكانها كما أن هناك محافظات في تركيا وإيران يشكل العرب الأغلبية الساحقة من السكان ولكنهم لديهم انتماء وطني. وبغزو جزيرة قرم تمكن الروس من الحفاظ على اتصالهم بالبحر الأسود حتى يبقى لهم موطئ قدم في هذا البحر.
أما البحر الأبيض المتوسط، فإن الروس ليس لهم مدخل فيه إلا عبر مضيق بوسفور حيث أن لهم قاعدة بحرية في طرطوس اللاذقية منذ 1956. ولهذا يبقى لسوريا دور استراتيجي لحفاظ الروس على حصتهم من البحر الأبيض المتوسط، بل أن الحرب السورية وفرت فرصة لتقوية تواجد الروس فيها، إذ تعدّى تواجدهم من البحر إلى البر وحتى الجو، حيث شقت الدبابات الروسية طريقها إلى سوريا كما المقاتلات الروسية حلّقت وتحلق في السماء السوري، ليكتمل التواجد الروسي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
ويبقى الخليج الفارسي الذي طالما يحلم الروس بفتح طريق لهم إليه، وهذا ما حصل أخيراً عند ما كشف الروس غصبا عن الإيرانيين بالإعلان عن استخدامهم قاعدة نوجيه العسكرية لشن هجوم على المعارضة المسلحة في سوريا.
ويبدو أن الروس كانوا يريدون إظهار قوتهم بجرّ إيران إلى نطاقة نفوذهم الاستراتيجي، وربما يكون حجم التعامل الإيراني - الروسي أكبر بكثير من استخدام مؤقت ومحدود لقاعدة جوية كانت إيران تحرص على أن يبقى هذا التعامل سرياً ولكن الروس لم يستطيعوا معهم صبراً وجنوا ثماره باكثر ما يمكن لهم أن يجنوه، ما أثار امتعاض وزير الدفاع الإيراني الذي عبر عن تصرف الروس الإعلامي بأنه غير ودي.
وهكذا وجد الروس طريقا إلى مياه الخليج الدافئة لإكمال تواجدهم المتزامن في البحار الثلاثة، فإن الروس لم يأتوا إلى قاعدة همدان ليعودوا نهائياً، بل إن هذا الدبّ له سمع ثقيل والرأي العام الإيراني الذي يكره الروس دوماً لا يبدو أنه قادر على إيعادتهم إلى وطنهم، وهذا ما يُستشم من كلام الخبير الاستراتيجي الروسي العقيد ايواشوف الذي يعتبر أن تواجد الروس العسكري في إيران يصب لمصلحة إيران وكدليل على هذا القول يرى العقيد بأنه لم تعد إسرائيل تقدر على تهديد إيران بشنّ هجوم جوي في ظل التواجد الروسي، ولكن الإيرانيين لم ينسوا بأن إيران في فترة ما قبل الاتفاق النووي كانوا في أمس الحاجة إلى الدعم العسكري وامتنع الروس عن تسليم إيران بمنظومة أس 300 وكانوا ملزمين بتسليمها وحتى المحكمة الدولية ألزمتهم بدفع 4 مليارات كغرامة مالية بسبب نقضهم العقد.