لم تعد الازمة السورية على خريطة الاهتمام الأميركي، ولو في الحدود الشكلية التي اختارها باراك اوباما منذ البداية لدفع فلاديمير بوتين الى ذلك المستنقع الدموي المتشابك والمعقد، ومنذ الآن الى الربيع المقبل، بعد ان يشكل الرئيس الاميركي الجديد حكومته، لن تكون سوريا ولا غيرها محط اهتمام اميركي ذي فاعلية.
أوباما لم يتوان قبل أشهر، عبر حديثه المثير مع شبكة "أس ان بي سي"، عن الرد على الاتهامات التي وجهها اليه كثيرون من الذين عملوا مع إدارته [بينهم مثلاً السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد] والذين طالما أجمعوا على اتهامه بأنه لا يملك استراتيجية في مواجهة الاقتحام الروسي لسوريا بعد أوكرانيا، في شرح نظريته التي تنطوي على نوع من السخرية من بوتين عندما قال ما معناه: عندما ترسل جنودك لينزفوا في الخارج بينما اقتصادك ينزف في الداخل فليست هذه الاستراتيجة التي نريدها.
لقد سبق للينين ان قال: "إعط الاميركيين ما يكفي من الحبال وهم كفلاء بشنق أنفسهم في افريقيا"، فهل أراد اوباما ان يعطي بوتين ما يكفي من الحبال ليشنق نفسه في سوريا ؟
ليس بالضرورة، لأن اوباما دخل البيت الابيض ليمحو عقدة تدخل جورج بوش المفرط في الخارج، ولكن بالإفراط في الإنسحاب من المسرح الدولي، ولهذا إنسوا اميركا حتى آذار المقبل، وهذا يعني المزيد من القتال والدماء والدمار، وخصوصاً بعدما تحولت سوريا ارضاً تتقاطع في ميادينها وجبهاتها حسابات دولية واقليمية آخرها التدخل العسكري التركي، إضافة طبعاً الى مئات من التنظيمات المسلحة التي لم تعد تقاتل لحسابات وسياسات واهداف سورية بعدما دخل العامل المذهبي على الخط بين السنة والشيعة، وبعدما صارت حسابات الوضع في سوريا على تقاطع الأقنية المتصلة بصراعات أخرى في الاقليم في مقدمها الحرب المستعرة في اليمن.
هل يشنق بوتين نفسه بحبال الغياب الاميركي عن الساحة السورية ؟
اذا صح ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصدر على صلة وثيقة بوزارة الدفاع الروسية طلب عدم ذكر إسمه وقال: "لدي احساس كأننا مثل حصان السيرك يدور في دائرة منذ 30 أيلول من العام الماضي عندما نشرنا طائراتنا للمرة الأولى هناك... إن قواتنا غير كافية وتنسيقنا مع الإيرانيين ليس على المستوى المطلوب، ونحن في حاجة الى تغيير شيء ما ولا علم لي بهذا الشيء"، فإن ذلك قد يعني ان حبال أوباما قد تشنق بوتين في النهاية ولو إقتصادياً. دخل بوتين متعهداً إنهاء المهمة في أربعة أشهر، وبعد سنة تقريباً، يستمر الحصان الروسي في الدوران حول ناعورة الدم السورية ربما لأربع سنوات وأكثر. ولكن دعونا ننتظر الربيع المقبل!