ثمّة مؤشرات كثيرة عن تكوين مشهد سياسي جديد في طرابلس. ما صدر حتى الآن يصبّ في خانة إشارات تنتظر البلورة بصيغة مواقف تصدر عن أصحاب الشأن بعد انقشاع الرؤية عن فرز مستجد عقب نتائج اﻹنتخابات البلدية.
ربما أوّل الغيث قطرة السجال الذي اندلع من دون مقدمات بين وزير العدل المستقيل أشرف ريفي ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار ستُفضي الى مطر سياسي غزير عند مطلع الخريف المقبل.
ﻻ ينكر عدد من فاعليات طرابلس وجود حيوية مستجدة في المدينة، إذ على رغم الضجة المُثارة أعلنت زوجة وزير العدل السيدة سليمة ريفي عن المهرجانات السياحية القادمة، كاشفة أنّ التحضيرات ممتازة وهي سائرة على قدم وساق. ومن جهة الانتقادات، فإنها تؤكد أنها «لا تبالي بالثرثرات الفيسبوكية ولا ببعض الأقلام المأجورة».
وفي اﻻطار نفسه، أعطى الرئيس نجيب ميقاتي توجيهاته إلى كوادر «العزم والسعادة»، بإطلاق سلسلة حملات تطوعية على رأسها «لمدينة مِتل الورد»، بهدف وصل ما انقطع من حبال الود مع أبناء المدينة، كما تشهد طرابلس لدور النائب محمد الصفدي وزوجته فيوليت التي تؤكد أنّ «مؤسسة الصفدي تدعم أيّ خطوة من شأنها تعزيز مكانة المدينة وأنّ طرابلس تحتاج اليوم الى كل الأيادي البيضاء التي تمتدّ لترفع المدينة وأبناءها»، لافتة إلى أنّ «مؤسسة الصفدي بدورها مستمرة في تنظيم الأمسيات الفنية التي ترتدي الطابع الثقافي».
غير أنّ ذلك ﻻ يلغي التنافس السياسي القائم على تمثيل المدينة وعلى حجز أدوار تعكس الطموحات المستقبلية لعدد من القوى لأنّ المدينة لم تعد محصورة ضمن مرجعية سياسية واحدة.
وفي هذا اﻻطار، ﻻ يخفى على أحد جهود كبيرة يبذلها الرئيس سعد الحريري للحفاظ على حضور سياسي طاغ في المدينة إمتد منذ العام 2005، وإن بات تراجع تيّار «المستقبل» أمراً واقعاً وقد أقرّ به «المستقبل» وفق تصريحات مصادر مسؤولة فيه حذّرت من أن سَير ريفي في خطته «سيقسم جمهورنا نصفين، بمعزل عن حجم كل منهما، ما يقلّص الفارق بيننا وبين خصومنا السياسيين ويجعل إمكانية فوزهم في الإنتخابات المقبلة ممكناً، بعدما كان ذلك مستحيلاً في دورتي 2005 و2009»، الأمر الذي يطرح سؤالاً بديهياً ليس من السهل اﻻجابة عنه راهناً: من هو المرشح لالتقاط الفرصة واﻻستحواذ على قرار المدينة لو شهدت طرابلس مشهداً جديداً؟
ووفق انطباع فاعليات المدينة العريقة، فإنّ اﻻجواء متجهة إلى مزيد من الفرز القائم عمودياً وأفقياً، خصوصاً أنّ حسابات اﻹنتخابات النيابية متحكمة بخطوات كل الفرقاء اﻻساسيين في سبيل إثبات الوجود في مدينة تعتبر الحيثية السياسية فيها مفتاح جنة الظفر بالمنصب الثالث في الجمهورية وممرّ عبور في اتجاه نادي رؤساء الحكومة.
أمّا اللافت فقد كان تعليق دسم من شخصية ثقافية مرموقة تعتبر من أعمدة الفيحاء الإعلامية على تصريح ريفي عن خوضه اﻻنتخابات النيابية في كل المناطق حيث ثقل تيار «المستقبل»، ما عدا مدينة صيدا إحتراماً للسيدة بهية الحريري.
فتؤكد تلك الشخصية أنّ الغرض من ذلك إمّا رفع ريفي سقفه السياسي قبل مصالحة الحريري التي يجري إعدادها على نار صامتة في الرياض وبهدوء مطلق، أو استكمال ريفي نهجه في اتّباع المغامرات السياسية وفَرض نفسه في الحياة السياسية بطريقة مختلفة تماماً وبتجربة تعدّ مثيرة للجدل.
الواقعية السياسية تشير الى أنّ ريفي استطاع إثبات حالته الخاصة بعدما راهنَ البعض على سقوطه سريعاً فور خروجه عن طاعة الحريري والذهاب بخيارات مستقلة بلا تردد، وإذا كان ريفي قد استفاد من حالة ضمور عام حصلت في تيار «المستقبل» في طرابلس، لكنه لن يستطيع إزاحة قوى سياسية لها ثقلها الشعبي من الدرب.
فلطالما كانت طرابلس مركزاً للتنوع السياسي، ثم إن حسابات اﻻستحقاقات اﻻنتخابية المختلفة قد ﻻ تبدو متطابقة! فالجميع بات يدرك اليوم أكثر ممّا مضى أنّ للانتخابات البلدية حساباتها المحلية الضيقة والتي تختلف جذرياً عن حسابات التمثيل السياسي ضمن المقاعد النيابية، وهناك اعتبارات عدة تتحكم في اللعبة السياسية خارج إطار الصراع اﻻنتخابي الضيق في طرابلس.
بالتالي، ومهما كانت الطموحات السياسية متوافرة عند جميع اﻻطراف المعنية، ﻻ يعتبر العمل السياسي والتمثيل السياسي سوى موطئ قدم لخطوات ينبغي أن تكون ثابتة وقوية لتصِل في نهاية المطاف حتى باب السراي الحكومي في بيروت.
مرلين وهبة